توفّرت الدواعي على حياطته ، والذّبّ عنه ، تولّى كبرها شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب ، مرتكبا منها وصمة محت على غرر فضله إلى كثير من خدّامه ومماليكه ، وبعثوا بها إلى ملك المغرب ، فاقتطعت جانب التمهيل والتأخير واللبث عن الحكم ، والتعليل عن السّماع ، وبروز الأغراض ، واتّباع السيئة أمثالها. وقد كان ، رحمه الله ، من الجهاد وإقامة رسم الدين ، بحيث تزلّ عن هذه الهنات صفاته ، وتنكر هذه المذمّات صفاته ، وكان بمكان من العزّ ، وإرسال السّجية ، ربما عذله الشيخ في بعض الأمر ، فيسجم إضجارا وتمليحا بإخراجه ؛ ولم يمرّ إلّا الزمان اليسير ؛ وأوقع الله بالعصبة المتمالئة عليه من أولاد عبد الله ، فسفتهم رياح النّكبات ، واستأصلت نعمهم أيدي النّقمات ، ولم تقم لهم من بعد ذلك قائمة ، والله غالب على أمره](١).
وتبعت هذا السلطان نفوس أهل (٢) الحرية ، ممّن له طبع رقيق ، وحسّ لطيف ؛ ووفاء كريم ، ممّن كان بينه وبين سطوته دفاع ؛ وفي جوّ اعتقاده له صفاء ؛ فصدرت (٣) مراث مؤثرة ، وأقاويل للشجون مهيجة ، نثبت منها يسيرا على العادة. فمن ذلك ما نظمه الشيخ الكاتب (٤) القاضي أبو بكر بن شبرين ؛ وكان على (٥) فصاحة ظرفه ، وجمال روايته ، غراب قربه ، ونائحة مأتمه ، يرثيه ويعرّض ببعض من حمل عليه من (٦) ناسه وخدّامه : [مجزوء الرمل]
استقلّا ودعاني |
|
طائفا بين المغاني |
وانعما بالصبر إني |
|
لا أرى ما تريان |
ومن قوله (٧) : [الخفيف]
عين بكي لميّت غادروه |
|
في ثراه ملقى وقد غدروه |
دفنوه ولم يصلّ عليه |
|
أحد منهم ولا غسّلوه |
إنما مات يوم (٨) مات شهيدا |
|
فأقاموا رسما ولم يقصدوه |
__________________
(١) ما بين قوسين ساقط في اللمحة البدرية.
(٢) في اللمحة البدرية : «أولي».
(٣) في اللمحة البدرية : «فصدر فيه من التأبين أقاويل ...».
(٤) كلمة «الكاتب» ساقطة في اللمحة.
(٥) في اللمحة البدرية : «على ظرفه وحسن روائه غراب ندبة ونائحة حاتم يرثيه ...».
(٦) في اللمحة البدرية : «عليه من خدّامه».
(٧) الأبيات في اللمحة البدرية (ص ١٠٢).
(٨) في اللمحة البدرية : «حين».