وعوجل بالقتل مع من حضر منهم. وتولّى الملك بعده ولده محمد ، واستمرّ سلطانه إلى ذي الحجة من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة ، وقتل بظاهر جبل الفتح (١). وولي بعده أخوه مولانا السلطان أبو الحجاج لباب هذا البيت ، وواسطة هذا العقد ، وطراز هذه الحلية ، ثم اغتاله ممرور من أخابيث السّوقة ، قيّضه الله إلى شهادته ، وجعله سببا لسعادته ، فأكبّ عليه في الرّكعة الآخرة من ركعتي عيد الفطر ، بين يدي المحراب ، خاشعا ، ضارعا ، في الحال الذي أقرب ما يكون العبد من ربّه ، وهو ساجد ، وضربه بخنجر مهيّئ للفتك به ، في مثل ذلك الوقت ، كان ، زعموا ، يحاول شحذه منذ زمان ، ضربة واحدة ، على الجانب الأيسر من ظهره ، في ناحية قلبه ، فقضى عليه ، وبودر به فقتل.
وولي الأمر بعده محمد (٢) ، ولده أكبر بنيه ، وأفضل ذويه ، خلقا وخلقا وحياء وجودا ، ووقارا وسلامة وخيريّة ، ودافع دولته من لا يعبأ الله به (٣) ؛ ثم تدارك الأمر سبحانه ، وقد أشفى ، ودافع وكفى ، بما يأتي في محلّه إن شاء الله. وهو أمير المسلمين لهذا العهد ، متّع الله به ، وأدام مدته ، وكتب سعادته ، وأطلق بالخير يده ، وجعله بمراسيم الشريعة من العاملين ، ولسلطان يوم الدين من الخائفين ، المراقبين ، بفضله.
وقد أتينا بما أمكن من التعريف بأحوال هذه الحضرة على اختصار. ويأتي في أثناء التّعريف برجالها كثير من تفصيل ما أجمل ، وتتميم ما بدأ ، وإيضاح ما خفي بحول الله تعالى.
__________________
(١) جبل الفتح : هو جبل طارق ، والذي سمّاه جبل الفتح هو الخليفة عبد المؤمن بن علي ، حين نزل به عام ٥٥٥ ه.
(٢) هو السلطان الغني بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل ، حكم غرناطة سنة ٧٥٥ ه ، ثم عزل سنة ٧٦٠ ه ، ثم عاد ثانية إلى الملك سنة ٧٦٣ ه. اللمحة البدرية (ص ١١٣ ، ١٢٩).
(٣) إشارة إلى ثورة إسماعيل أخي السلطان محمد الغني بالله عليه ، وانتزاعه الملك منه في رمضان سنة ٧٦٠ ه.