وأصابته أيام الهيج محن ، ونسبت إليه نقائص زوّرتها حسدته ، فصرف عن القضاء ؛ وبقي مدّة مهجور الفناء ، مضاع المكان ، عاطل الدّولة ، منتبذا في مليك له ؛ خارج الحضرة ، ينحني على خرثيّ (١) ساقط القيمة ، ودفاتر ساقطة الثمن ، يتعلّل بعلالتها ، ويرجى الوقت بيسيرها.
حدّثني الوزير أبو بكر بن الحكيم ، قال : زرته في منزله بعد عزله ، ونسبة الأمور التي لا تليق بمثله ، فأنشدني بما ينبئ عن ضجره وضيق صدره : [المجتث]
أنا من الحكم تائب |
|
وعن دعاويه هارب (٢) |
بعد التّفقّه عمري (٣) |
|
ونيل أسنى المراتب |
وبعد ما كنت أرقى |
|
على المنابر خاطب (٤) |
أصبحت أرمى بعار |
|
للحال غير مناسب |
أشكو إلى الله أمري |
|
فهو المثيب المعاقب |
وثبت اسمه في التاريخ المسمّى «بالتاج» تأريخي بما نصّه :
شيخ الجماعة وقاضيها ، ومنفّذ الأحكام وممضيها ، وشايم (٥) سيوفها الماضية ومنتضيها ، رأس بفضيلة نفسه ، وأحيا دارس رسم القضاء بدرسه ، وأودع في أرض الاجتهاد ، بذر السّهاد ، فجنى ثمرة غرسه ؛ إلى وقار يودّ رضوى رجاحته ، وصدر تحسد الأرض الغبيطة ساحته ، ونادرة يدعوها فلا تتوقّف ، ويلقى عصاها فتتلقّف ؛ ولم يزل يطمح بأمانيه ، ويضطلع بما يعانيه ، حتى رفع إلى الرّتبة العالية ، وحصل على الحال الحالية ؛ وكان له في الأدب مشاركة ، وفي قريض النظم حصّة مباركة. انتهى إليّ قوله يهنّئ السلطان أبا عبد الله بن نصر (٦) ، بالإبلال من مرض في اقتران بعيد وفتح ، وذلك (٧) : [الطويل]
شفاؤك للملك اعتزاز وتأييد |
|
وبرؤك مولانا به عندنا (٨) عيد |
__________________
(١) الخرثيّ : أردأ المتاع أو أثاث البيت. محيط المحيط (خرث).
(٢) في الكتيبة الكامنة : «راغب».
(٣) في المصدر نفسه : «دهري».
(٤) هذا البيت ساقط في الكتيبة.
(٥) شام السيف : انتضاه.
(٦) هو سلطان الأندلس أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، ثالث سلاطين بني نصر. اللمحة البدرية (ص ٦٠).
(٧) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ١٠٢).
(٨) في الأصل : «عيدنا» والتصويب من الكتيبة الكامنة.