باليسير ، راضيا بالدّون ، مع الهمّة العليّة ، والنفس الأبيّة ، على هذا قطع عمره ، وكتب من دواوين العلم ودفاتره ، ما لا يحصى كثرة ، بجودة (١) وضبط وحسن خطّ ؛ وعني به أبوه في صغره ، فأسمعه كثيرا من الشروح ، وشاركه في بعضهم. نفعه الله.
نباهته : استدعاه أبو عبد الله بن حسّون ، قاضي مرّاكش ، إلى كتابته ، إلى أن صرف ، واستقرّ هو متولّي حكمها وأحكامها ، والصلاة في مسجدها ، ثم ترك الأحكام ، واستقرّ في الإمامة. ولمّا تصيّر الأمر إلى الموحّدين ، ألحقه عبد المؤمن (٢) منهم ، بجملة طلبة العلم ، وتحفّى به ، وقدّمه إلى الأحكام بحضرة مرّاكش ، فقام بها مدّة ، ثم ولّاه قضاء غرناطة ، ثم نقله إلى إشبيلية قاضيا بها مع وليّ عهده. ولمّا صار الأمر إلى يعقوب (٣) ، ألزمه خدمة الخزانة العلمية وكانت عندهم من الخطط التي لا يعيّن لها إلّا كبار أهل العلم وعليّهم ، وكانت مواهب عبد المؤمن له جزلة ، وأعطياتهم مترافهة كثيرة.
مشيخته : قرأ القرآن على أبيه ، وأكثر عنه ، وأجاز له ، وعلى أبي الحسن التطيلي ، قال : وهو أول من قرأت عليه.
من روى عنه : روى عنه أبو عبد الله ، وأبو خالد يزيد بن يزيد بن رفاعة ، وأبو محمد بن محمد بن علي بن وهب القضاعي.
دخوله غرناطة : صحبة (٤) القاضي أبي القاسم بن جمرة ، ونوّه به واستخلفه إذ وليها ، وقبض عليه بكلتي يديه ، ثم استقضي بها أبو الفضل عياض بن موسى ، فاستمسك به ، واشتمل عليه ؛ لصحبة كانت بينهما وقرابة ، إلى أن صرف عنها أبو الفضل عياض ، فانتقل إلى وادي آش ، فتولّى أحكامها والصلاة بها ، ثم عاد إلى غرناطة سنة ست وثلاثين ، إلى أن استقضي بغرناطة في دولة أبي محمد بن
__________________
(١) في المصدر نفسه : «وجودة وضبطا».
(٢) هو عبد المؤمن بن علي ، أول خلفاء الموحدين بالمغرب والأندلس ؛ حكم المغرب سنة ٥٢٤ ه. وفي سنة ٥٤١ ه ضمّ الأندلس إلى المغرب. توفي سنة ٥٥٨ ه. ترجمته في البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٧٩). والمعجب (ص ٢٦٢ ، ٢٦٥ ، ٢٩٢) ، والحلل الموشية (ص ١٠٧).
(٣) هو يوسف بن عبد المؤمن بن علي ، حكم المغرب والأندلس من سنة ٥٥٨ ـ ٥٨٠ ه. ترجمته في البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٨٣) ، والمعجب (ص ٣٠٨) ، والحلل الموشية (ص ١١٩).
(٤) قارن بالذيل والتكملة (ج ١ ص ٢٢٦).