يا ربّ ، عفوا إنها جمّة |
|
إن لم يكن عفوك لا أمّ لي |
محنته : نشأت بينه وبين المتغلب بمالقة من الرؤساء التّجيبيين من بني إشقيلولة (١) ، وحشة أكّدتها سعاية بعض من استهواهم رجل ممخرق من بني الشّعوذة ، ومنتحلي الكرامة ، يمتطيها ، زعموا إلى النبوّة ، يعرف بالفزاري ، واسمه إبراهيم ، غريب المنزع ، فذّ المآخذ ، أعجوبة من أعاجيب الفتن ، يخبر بالقضايا المستقبلة ، ويتسوّر سور حمى العادة في التطوّر من التقشّف والخلابة ، تبعه ثاغية وراغية ، من العوام الصّمّ البكم ، مستفزّين فيه حياته ؛ وبعد زمن من مقتله ، على يد الأستاذ بغرناطة ، قرعه بحقّه ، وبادره بتعجيل نكيره ، فاستغاث بمفتونه الرئيس ، ظهير محاله فاستعصى له ؛ وبلغ الأستاذ النياحة ، ففرّ لوجهه ، وكبس منزله لحينه ، فاستولت الأيدي على ذخائر كتبه ، وفوائد تقييده عن شيوخه ، على ما طالت له الحسرة ، وجلّت فيه الرزيّة. ولحق بغرناطة آويا إلى كنف سلطانها الأمير أبي عبد الله بن الأمير الغالب بالله بن نصر ؛ فأكرم مثواه ، وعرف حقّه ، وانثال عليه الجمّ الغفير لالتماس الأخذ عنه ، إلى أن نالته لديه سعاية ، بسبب جار له ، من صلحاء القرابة النّصرية ، كان ينتابه لنسبة الخيريّة ، نميت عنه في باب تفضيله ، واستهالت للأمر كلمة ، أوجبت امتحانه ، وتخلّل تلك الألقيّة (٢) من الشكّ ، ما قصر المحنة على إخراجه من منزله المجاور لذلك المتّهم به ، ومنعه من التصرّف ، والتزامه قعر منزل انتقل إليه بحال اعتزال من الناس ، محجورا عليه مداخلتهم ؛ فمكث على ذلك زمانا طويلا ، إلى أن سرّيت عنه النكبة ، وأقشعت الموجدة ، فتخلّص من سرارها بدره ؛ وأقلّ من شكاتها جاهه ، وأحسنت أثرها حاله ، وكثر ملتمسه ، وعظمت في العالم غاشيته ؛ فدوّن واستمع ، وروى ودرّب ، وخرّج وأدّب وعلّم ، وحلّق وجهر. وكانت له الطّايلة على عدوّه ، والعاقبة للحسنى ، بعد ثبات أمره ، والظّفر بكثير من منتهب كتبه. وآلت الدولة للأمير أبي عبد الله نصر بمالقة ، فطالب الفزاريّ المذكور ، واستظهر بالشّهادات عليه ، وبالغ في دحض دعوته ، إلى أن قتل على يده بغرناطة.
حدّثنا شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب ، قال : لما أمر بالتأهّب للقتل وهو في السجن الذي أخرج منه إلى مصرعه ، جهر بتلاوة «ياسين» ، فقال له أحد الذّعرة ، ممّن
__________________
(١) بنو إشقيلولة مولدون ، كانت تربطهم ببني نصر حكام غرناطة مصاهرة ، وقد قاموا ببعض الثورات ضدّ بني نصر ، واستقلوا ببعض المدن والثغور.
(٢) الألقيّة : هي ما ألقي من التحاجيّ ، جمعها ألاقيّ. لسان العرب (لقي).