تمهيد
لم تحظ مدينة كما حظيت مدينة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بتوجيه العناية الى كتابة تاريخها والمتمثل في تدوين أخبار وسيرة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وصحابته ـ رضوان الله عليهم ـ كما فعل عمر بن شبة النميري (١٧٣ ـ ٢٦٢ ه) في كتابه «أخبار المدينة النبوية» ، وفي الاعتناء كذلك بتتبع الآثار النبوية الصحيحة بين ربوعها الطيبة كما نجد ذلك عند الحافظ محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي (٥٧٨ ـ ٦٤١ ه) في كتابه «الدرة الثمينة في أخبار المدينة» وعند جمال الدين محمد ابن أحمد المطري (٦٧٦ ـ ٧٤١ ه) في كتابه «التعريف بما آنست الهجرة من معالم دار الهجرة». وعند زين الدين أبي بكر بن الحسين بن عمر المراغي (٧٢٧ / ٨١٦ ه) في كتابه «تحقيق النّصرة بتلخيص معالم دار الهجرة».
كما نلاحظ أيضا اهتماما يبدو في الاهتمام بتاريخ رجالها كما هو عند عبد الله بن محمد بن فرحون (٦٩١ ـ ٦٦٩ ه) في كتابه المخطوط بمكتبة عارف حكمت بالمدينة والمعروف باسم «نصيحة المشاور وتعزية المجاور». وعند مؤرخ آخر هو محمد بن عبد الرحمن السخاوي (٨٣١ ـ ٩٠٢ ه) في كتابه «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» بأجزائه الثلاثة التي نشرها أسعد طرابزوني ـ يرحمهالله ـ أما العناية بتاريخها الأدبي فنجد نموذجا له عند الشيخ عمر بن عبد السلام الداغستاني المتوفى بعد سنة (١٢٠١ ه ـ ١٧٧٦ م) الذي ألف كتابه «تحفة الدهر ونفحة الزهر في شعراء المدينة من أهل العصر» وهو كتاب هام يبرز مدى اهتمام مثقفي المدينة في فترة القرن الثاني عشر الهجري بفنون الشعر والنثر المختلفة ، وتعاطيهم لتلك الفنون حسب المقاييس الأدبية لعصرهم ، كما أن التأريخ لجوانب الحياة الاجتماعية فيها لم يخل هو الآخر من اهتمام خاص ، كما يبرزه لنا جعفر ابن هاشم الحسينى من أدباء المدينة في القرن الثالث عشر الهجري في كتابه المخطوط «الأخبار الغريبة فيما وقع بطيبة الحبيبة».
* ولقد أخذت منذ زمن في تقصي هذه المصادر بجانبيها التاريخي والأدبي ـ المخطوط منها والمطبوع ـ ودراستها دراسة أكاديمية ، فرأيت أن أضم هذه الدراسات التي يجمعها نسق واحد في هذا الكتاب الذي آمل أن يجد فيه المهتمون بدراسة فكر وأدب وتاريخ هذه البقعة المطهرة شيئا مما يتطلعون إليه أو يوجهون إليه اهتماماتهم العلمية.