يخصهم بفصل واحد ، ما داموا جميعا ـ حسب عبارته ـ من طائفة العلماء. ولربما كان المؤلف في تقسيمه لفصول الكتاب ، حسب هذا النظام ، مدفوعا بالرغبة في اتباع من سبقه من المؤلفين كابن معصوم (١٠) في كتابه السلافة ، (١١) مع أن الأسس الأدبية التي انطلق منها «ابن معصوم» في ترتيبه لأجزاء كتابه تختلف عنها عند «الداغستاني» في كتاب «التحفة».
أشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى قضية تدهور حال الأدب في عصره ، ولربما كان من الأولى أن نثبت ، من هذه المقدمة ، ما يكون دليلا على تنبه «الداغستاني» لهذه القضية التي لم يشغل المؤلفون ـ حينئذ ـ بمناقشتها.
يقول المؤلف :
مضى الزمن الذي كان فيه |
|
لأهل الشعر عز وارتفاع |
فإن الشعر في ذا العصر علم |
|
قليل الحظ ، ملفوظ ، مضاع |
ولئن هجر الأدب مليا ، وأصبح نسيا منسيا ، فإن لزنده وريا يلتمع سقطه ، ولمزنه ودقا يستدر نقطه ، والمرتدي بفاخر مطارفه بين الأخدان والأقران يشار إلى مجده بالسلام والبنان ، خصوصا أن نظم في سلك التحايف زبرجده ، وسلك في قالب الظرايف عسجده. (١٢) ويرى الدكتور عبد الرحمن الشامخ أنه على الرغم مما في إشارة «الداغستاني» هذه من تنبيه إلى طبيعة الذوق الأدبي من صحة وسلامة ، إلا أن شكاته لم تكن إلا استجابة لروح الحنين إلى الماضي ، لما يتضمنه كتابه من نصوص مفتقرة إلى الروح الأدبية والموهبة الفنية. (١٣)
ولئن أظهر المؤلف قدرة أدبية في تدوين الإنتاج الفني لأدباء المدينة ، في فترة القرن الثاني عشر ، فإنه استطاع ـ أيضا ـ أن يدلل على ثقافته بما عقده من مقارنات بين هذا الإنتاج ، وما يماثله ـ من ناحية المعنى ـ عند بعض شعراء العصر العباسي ، كأبي نواس والبحتري ، وبعض شعراء العصر المملوكي ، مثل : مجير الدين بن تميم ، وصفي الدين الحلّى ، وجمال الدين ابن نباتة ، وهذه الدراسة المقارنة التي توصل إليها «الداغستاني» هي مما يزيد في أهمية الكتاب ، من حيث اعتباره مصدرا رئيسيا للبحث في النواحي الفنية