منهج الشريف العياشي
في البحث التاريخي
** عند ما أتى الشيخ حمد الجاسر على ذكر أولئك الذين تصدروا لتاريخ المدينة المنورة ، أو تراجم رجالها. نجده قد جعل كتاب «محمد بن زبالة المخزومي» الذي ألفه سنة ١٩٩ ه. أول كتاب عرف تاريخ هذه المدينة الطاهرة ، التي لقيت اهتماما خاصا من أشهر المؤرخين والكتاب ، على مر العصور الإسلامية ، مثل : «ابن شبة» ، و «ابن النجار» و «ابن فرحون» و «المراغي» و «السمهودي» ، و «السّخاوي» وغيرهم. (١)
** وفي العصر الحديث تناول عدد من الكتاب جوانب معينة من تاريخ المدينة المنورة الحضاري ، والإداري ، والاجتماعي ، ولكن مؤلفا واحدا ضمن هذه المؤلفات يظل متميزا ، لما بذله فيه مؤلفه من جهد غير عادي ، كان يشهد به ذلك الشحوب والهزال الباديان على مؤلف هذا الكتاب في أواخر حياته ، ثم لذلك المنهج العلمي الدقيق الذي اتبعه الشريف «إبراهيم بن علي العياشي» فيما جمعه من معلومات ، وما توصل إليه من نتائج ، تتصل بتاريخ عاصمة الإسلام الأولى ، ومنطلق حضارته ، وموئل قادته وعظمائه.
** وإذا كان «العياشي» استطاع أن يترك أثرا تاريخيا فريدا كهذا ، إلا أنه لم يعرف عنه في مطلع حياته الاشتغال بالكتابة ، أو البحث وما يتصل بهما من أمور ، فلقد كان ـ رحمهالله ـ موظفا إداريا في شرطة المدينة المنورة ، ثم نراه يترك المدينة ليسافر إلى الساحل الشرقي من جزيرة العرب ، ثم يعرج على مدينة «ينبع» للإقامة فيها ، ولكن الحياة لم تطب له إلا بعد أن عاد إلى مرابع صباه الأولى ، حيث نجده مدرسا في بعض مدارسها الابتدائية ، وإخاله زامل الأستاذ «ضياء الدين رجب» في التدريس ، كما ذكر لي هذا الأخير ـ رحمهالله ـ في إحدى رسائله الخاصة ، قبل أن ينتقل إلى الدار الآخرة.
ولعل السر في توجه «العياشي» لتدوين تاريخ المدينة المنورة يعود إلى حبه للأرض التي شهدت ربوعها انطلاقة الإسلام الأولى ، وهذا ما يمكن أن