في رحاب المسجد النبوي
(١)
* امتد أثر الحرمين الشريفين في نشر الثقافة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي وعلى مر العصور الإسلامية. ولقد كانت بداية تاريخ هذا التأثير على يد معلم البشرية الأول سيدنا محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الذي جعل من مسجده الشريف مدرسة يتلقى فيها صحابته رضوان الله عليهم أجمعين ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم ، وهي المدرسة التي تخرج فيها عبد الله بن مسعود وأبو هريرة ومعاذ بن جبل وسعد بن معاذ وعبد الله بن عمر فكانوا أمثلة حية للشخصية الإسلامية التي تجمع بين نظافة السلوك وعمق المعرفة ورحابة الأفق.
ولقد قام المسجد النبوي الشريف بدوره القيادي في أحلك الظروف التي مرت بها الأمة الإسلامية ، ففي القرن الحادي عشر الهجري تصدى للتدريس فيه ، الشيخ إبراهيم الكوراني ١٠٢٥ ـ ١١٠١ ه الذي أخذ العلم عن الثقات من الشيوخ في بغداد ، ودمشق ، ومصر ، ثم ألقى عصا التسيار بالمدينة المنورة ليصبح حجة في علم مصطلح الحديث ، وتنتهي إليه الرواية في هذا العلم الإسلامي في عصره ، فيشد الناس رحالهم إلى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليجلسوا في حلقته ، ويتزودوا بزاد العلم والمعرفة الحقيقيين.
ولم ينقطع العلم عن آل الكوراني فنجد ابنه الشيخ محمد أبا الطاهر الكوراني ١٠٨١ ـ ١١٤٥ ه الذي لم يكتف بطلب العلم على يدي والده ، بل ارتحل أيضا ليجتمع بعلماء عصره. من أمثال الشيخ عبد الله بن سالم البصري ، والشيخ حسن العجيمي والشيخ محمد البرزنجي ، مما أهله للإفتاء في علوم الفقه والحديث.
وعند ما قام شاه ولي الله الدهلوي رحمهالله بزيارة الحرمين الشريفين في الفترة ١١٤٣ ـ ١١٤٥ ه اجتمع بالشيخ أبي الطاهر الكوراني في المدينة وأخذ علوم الشريعة عنه مما أهله ليكون أحد الشخصيات البارزة في تاريخ الهند الإسلامية ولقد بذل الشيخ الدهلوي ، (كما يذكر الدكتور جمال الدين