(٢)
** في الحلقة الماضية ، التي خصصت لدراسة تحديد المصطلح الشعري «ملحمة» رأينا أن هناك نماذج من الشعر الجاهلي والإسلامي ، مما يمكن إدخاله ضمن دائرة الشعر الملحمي من منظور النقد العربي.
ولا بد من الإشارة إلى أن تجارب شعراء المدينة ، في القرن الثاني عشر الهجري ، في هذا العمل الشعري الخاص ، إنما هي محاولة لإحيائه ، ونفض الغبار عنه ، وتكتسب المحاولة أهميتها أنها أتت في عصر من عصور الركود الفكري والأدبي.
** ولكن السؤال الذي يمكن طرحه : هل كان هؤلاء الشعراء واعين بالفن ، الذي توجهت ملكاتهم للإبداع فيه؟
لقد ورد لفظ «ملحمة» في مطولة من مطولات الشاعر السيد جعفر إبراهيم البيتي (١) وجاءت اللفظة مقترنة باسم شاعر من أشهر شعراء العصر المملوكي ، وهو شمس الدين بن دانيال (٢) (٦٤٦ ـ ٧١٠ ه) والبيت ورد عند الشاعر «البيتى» كما يلي :
حوادث ما رآها دانيال ولا |
|
قصت «ملاحمه» شيئا يساويها |
واشتمال البيت على اسم هذا الشاعر ـ بعينه ـ فيه دلالة علي مصادر الثقافة الشعرية لشعراء تلك الفترة ، ومدى تأثيرها في إنتاجهم الشعري ، أإن الشاعر كان واعيا بأنه يقوم بوصف حوادث ملحمية ، وأن هذا الوصف كان نتيجة طبيعية لتفاعل الشاعر مع تلك الحوادث ، التي شهدها مجتمع المدينة ، في فترة القرن الثاني عشر الهجري ، أو ما أسمته المصادر الشعرية «بالفتن» وهي تسمية لها دلالتها التاريخية إذا ما ربطنا بينها وبين الفتن ، التي شهدها المجتمع المدني في العصر الإسلامي الأول.
وأشهر هذه الفتن ثلاث : وقعت الأولى منها سنة ١١٣٤ ه ، وتسمى بفتنة «العهد» ، والثانية في سنة ١١٤٨ ه ، وتسمى بفتنة «بشير أغا» الذي كان