وأين تلك من الدار التي شرفت |
|
على الممالك إعظاما وتنزيها |
ما أحوج الأرض للفتح الجديد فقد |
|
عم البلا وطغى طوفان عاصيها |
من باب مصر إلى بصرى إلى عدن |
|
إلى العراق يمانيها وشاميها |
ومن سواكم وعين الناس ترقبكم |
|
قد وجهوا لكم الآمال توجيها |
بخدمة المصطفى أسلافكم شرفت |
|
على الملوك ، وهناها مهنيها |
تميمة علقت في جيد دولتكم |
|
تذب عنها أعاديها وتحميها |
عضوا عليها وصونوها ، فإن سقطت |
|
تفزعت ، وغدت لا شىء يشفيها |
وإن تروا حادثا في الدهر أو قلقا |
|
من العدا فهو من عقبى تناسيها |
لم يختم الشاعر قصيدته إلا بعد أن باح لنا بتلك الأحاسيس الرقيقة ، التي تحملها نفسه عن البلد الذي أحب ، ووضع ـ أمامنا ـ كل تصوراته لما يجب أن يكون عليه مسؤولية الحاكم من حيث التيقظ والقوة حتى لا تفقد الدولة هيبتها ، وتصبح مطمعا لأعدائها الذين يتربصون بها ، وهو ما حدث بعد أكثر من قرن من الزمن ، عند ما تقاسم الإفرنج ميراث الدولة العثمانية ، وكان ذلك نتيجة طبيعية للتساهل والتغافل ، الذي صاحب امتداد الدولة في مناطق كثيرة ومتباعدة.
ولم يفرغ السيد «البيتي» من ملحمته إلا بعد أن سكب بين سطورها نفسا شعريا جميلا ، قوامه موهبة الشاعر القوية. وثقافته التراثية الواسعة. ويأتي ـ في مقدمتها ـ العبارة اللغوية ، التي وفّق في تطويعها لتكون وسيلة نطل ـ من خلالها ـ على أحداث التاريخ ، دون أن نفقد استمتاعنا بروائها الشعري ، وسوف نفرغ لدراسة ذلك في الحلقة القادمة ـ إن شاء الله ـ عند دراسة البناء الفني لقصيدة الملحمة.