(٤)
البناء الفني لقصيدة الملحمة
(١)
** لقد استخدم الشاعر السيد البيتي عددا من الوسائل الفنية ، في ملحمته التي استعرضنا ـ في الحلقة السابقة من هذه الدراسة ـ الأجزاء المكونة لبنائها : وهدفنا ـ هنا ـ هو الإشارة إلى تلك الوسائل ، ومدى نجاحه في تطبيقها ضمن إطار عمله الفني.
عند ما نوجه اهتمامنا إلى الطريقة التي اهتدى إليها الشاعر في اختيار كلمات قصيدته ، يجب أن نأخذ في اعتبارنا أنه ـ أي الشاعر ـ كان يسعى ، من خلال ملكاته الشعرية ، أن يبلغ مستوى معينا في تصوير حجم المشاكل المعقدة ، التي كان يعاني منها مجتمع المدينة المنورة ، في القرن الثاني عشر الهجري ، ولهذا فهو ـ في البيت الأول من افتتاحية ملحمته ـ يشير إلى المدينة بكلمة «الدار» حيث يقول :
بكى على الدار لما غاب حاميها |
|
وجرّ حكامها فيها أعاديها |
مشبها البلدة بالدار ، التي تستحق البكاء بسبب غياب صاحبها أو حاميها ثم نراه ينعتها ـ في البيت الثاني «بطيبة» ـ وهو اسم من أسمائها ، الذي اكتسبته بعد هجرة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى ربوعها ، وحيث بدأت تتشكل ملامح تاريخها الإسلامي المتميز :
بكى لطيبة إذ ضاعت رعيتها |
|
وراعها بكلاب البر راعيها |
وكأنه من خلال هذا الاسم «طيبة» يرسم لنا صورة الأمن والسلام ، الذي كانت تعيشه البلدة على مر العصور والأزمان ، أصبح ـ فجأة ـ معرضا للخطر والتغيير بسبب نوع غريب من الأعداء ، وهو يلمح ـ فقط ـ إليهم دون تصريح بكلمة «راعيها» وقد أشرنا ـ في الحلقة السابقة ـ إلى أن مصدر السلطة في