من معالم الفكر والأدب
في المدينة المنورة
لقد أعطت الهجرة النبوية للمدينة المنورة ، وما رافقها من احتضان أهلها للعقيدة الإسلامية ، وتفانيهم في الدفاع عن الإسلام ونشر تعاليمه السامية في جميع أقطار الأراضي ، أعطتها كل تلك المعطيات الحضارية والخصائص الثقافية التي عرفت بها على مر العصور الإسلامية وحتى بعد أن فقدت المدينة البلد مركزها السياسي ، حيث انتقل مركز الخلافة إلى دمشق أولا ، ثم إلى بغداد ثانيا ، فإنها لم تفقد ذلك الدور العلمي المتمثل في توجه أهل العلم والمعرفة إليها كلما احتاجوا إلى معرفة أوسع بالدين وصاحب الرسالة ، وبالأحكام والحديث والسنن والتفسير وأحاديث الدعوة الإسلامية الأولى وتفاصيل الهجرة والمغازى ، هذا الجو العلمي هو الذي تأسست في رحابه مدرسة المدينة برعاية الصحابي الجليل عبد الله بن العباس ـ رضياللهعنهما ـ وكان من روادها أيضا بعض من أبناء الصحابة الذين تخصصوا في رواية التاريخ والمغازي ونذكر منهم : سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي ، وسهل بن أبي خيثمة المدني الأنصاري وسعيد بن المسيب المخزومي ، وأبان بن عثمان بن عفان ، وعروة بن الزبير بن العوام ، وقد تلا هذه المجموعة الأولى جيل ثان برز فيه عدة علماء منهم عبد الله بن أبي بكر بن (ابن حزم) ، وعاصم بن عمرو بن قتادة ، وأبو روح يزيد بن رومان الأسدي المدني ، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (١) ـ رضياللهعنهم أجمعين.
وسنقف في دراستنا هذه وقفات عابرة عند بعض الشخصيات الفكرية والأدبية التي اضطلعت بدور رائد في المجالات العلمية والثقافية بدءا من القرن الحادي عشر الهجري فهي الفترة التي تحتاج إلى قدر كبير من البحث والدراسة والتحليل لما أصابها من إغفال ولحق بها من نقص. وما ذلك إلا لوقوعها في فترة ما يسمى بعصور الانحطاط الفكري ، مع أن الشواهد التاريخية تثبت أن المدينة ممثلة في مسجدها النبوي الشريف ظلت تؤدي