سلكنا للهوى والعقل فيها |
|
مسالك قد جلين على الشّتات |
قضينا بعض حقّ النفس فيها |
|
وحقّ الله مرعيّ الثّبات |
فلم نر قبله في الدهر وقتا |
|
بدت حسناته في السيّئات |
ثم رأيت بعد ذلك على هذا : [مخلع البسيط]
لا وليال على المصلّى |
|
تسرق في نسكها الذنوب |
فوقعت ساقي على حافر هذا المحروم ، إلا أني جرّدت ذلك في المعنى ، وأوضحته ، وجلوته على كرسي التّقعيد والتّنجيد ، فلو لا التاريخ لعاد سارق البرق.
نثره : وأمّا نثره ، فنمط مرتفع عن معتاد عصره ، استنفارا وبلاغة ، واسترسالا وحلاوة ، قلّما يعرّج على السّجع ، أو يأمر على التّكليف ، وهو كثير بحيث لا يتعيّن عيونه ، ولكن نلمع منه نبذة ، ونجلب منه يسيرا. كتب إليّ عند إيابي من الرّسالة إلى ملك المغرب ، متمثّلا ببيتين لمن قبله ، صدّر بهما (١) : [السريع]
أيتها (٢) النفس إليه اذهبي |
|
فحبّه المشهور من مذهبي |
أيأسني (٣) التّوبة من حبّه |
|
طلوعه شمسا من المغرب |
بل محلّك أمثل من التمثيل بالشمس ، فلو كان طلوعك على هذه الأقطار شمسا ، لأصبح جلّها لك عبّاد. ولو كان نزولك مطرا لتكيّفت الصّخور ترابا دمثا. ولو لا معرفتنا معشر إخوان الصّفا ، بإقرار أنفسنا ، لحكمنا بأن قلوبنا تمائم لأصدقائنا ، ولكن سبقت عيون السعادة بالكلّات ، فلو تصادف بالرضى محلّا ؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال ، لا زلت محروسا ، بعين الذي لا تأخذه سنة ولا نوم مكنوفة ببركة الذي يرومه رائم ، والسلام.
وكتب إليّ عند ما تقلّدت من رئاسة الإنشاء ما تقلدت : تخصكم يا محلّ الابن الأرضى ولادة ، والأخ الصادق إخلاصا وودّا ، خصّكم الله من السعادة بأعلاها مرقى ، وأفضلها عقبى ، وأحمدها غنى ، وأكرمها مسعى ، تحيّة اللهفان إلى أيام لقائك ، المسلى عنها بتأميل العود إليها ، المزجى أوقاته بترداد الفكر فيها ، محمد بن الحاج ، أبقاه الله ، عن شوق ، والذي لا إله إلّا هو ، لم أجد قط مثله إلى وليّ حميم. والله على ما نقول وكيل ، معرّفا أنني بعلاقمه ، وتصليني عن كسره مجامعه ، لما اعتنى به
__________________
(١) البيتان لابن خروف الشاعر ، وقيل لغيره ، وهما في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٦).
(٢) في الأصل : «يا أيتها» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٣) في الأصل : «إيأسي» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.