من توقّلكم بالرّتبة التي ما زال أحبّاؤكم بها ممطولي برّه ، على أنك لم تزد بذلك رتبة على ما كنت باعتبار الأهليّة ، والمكانة العليّة ، إلّا عند الأطفال والأغفال ، والمحلّقين من النساء والرجال ، لكن أفزعتنا هذه المخاطبة المحظيّة في قالب الجمهور ، ولم نسر فيها ، على الأصح ، لكن على الجمهور ، ولو كانت مصارف الوجود بيدي ، لوافتك من الوجود منازل أسمائه منازل ، وأوطأتك أفلاكه مراكب ، وأوردتك كوثره مشربا ، وأحللتك أرفعه معقلا ، وأقبستك بدره مصباحا ، وأهدتك أسراره تحفا. وقد تبلغ المقاصد مبالغ لا تنتهي أقاصيها الأعمال ، فنحن وما نضمره لتلك الجملة الجليلة الفاضلة ، مما الله رقيب عليه ، ومحيط بدقائقه. ولو كانت لهذا العبد الغافل ، المأسور في قيد نفسه ، المحزون على انتهاب الأيام ، رأس عمره في غير شيء ، دعوة يساعدها الوجد حتى يغلب على ظنّه أن العليم بذات الصدور ، ولّاها من قبوله بارقة لخصّك بها ، والله شهيد على ما تكنّه الأفئدة ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والفضل جمّ ، والمحاسن عديدة ، فلنقصر اضطرارا ، ولنكفّ امتثالا للرسم ، وانقيادا ، أمتع الله به.
محمد بن عبد الله بن منظور القيسي (١)
من أهل مالقة ، يكنى أبا بكر.
أوّليّته : أصله (٢) من إشبيلية ، من البيت المشهور بالتّعيين والتقدّم ، والأصالة ، تشهد بذلك جملة أوضاع ، منها «الرّوض المحظور (٣) في أوصاف بني منظور» ، وغيره.
حاله : من كتاب «عائد الصلة». كان (٤) جمّ التواضع والتخلّق ، كثير البرّ ، مفرط الهشّة ، مبذول (٥) البشر ، عظيم المشاركة ، سريع اللسان إلى الثّناء ، مسترسلا في باب الإطراء ، دربا على الحكم ، كثير الحنكة ، قديم العالة ، بصيرا بالشّروط ، ولّي القضاء بجهات كثيرة ، وتقدم بمالقة ، بلده فشكرت (٦) سيرته ، وحمدت مدارته. وكان سريع
__________________
(١) ترجمة ابن منظور في الكتيبة الكامنة (ص ١١٩) والدرر الكامنة (ج ٤ ص ٣٧) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٩٢). وجاء في المصدر الأخير أنه «أبو بكر محمد بن عبيد الله بن محمد بن يوسف بن يحيى بن عبيد الله بن منظور ...».
(٢) قارن بتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٩٢).
(٣) في تاريخ قضاة الأندلس : «المنظور».
(٤) النص في تاريخ قضاة الأندلس (ص ١٩٢).
(٥) في تاريخ قضاة الأندلس : «مبدول» بالدال المهملة.
(٦) في المصدر نفسه : «فحمدت سيرته ، وشكرت طريقته ...».