وذكره القاضي المؤرخ أبو الحسن بن الحسن ، فقال (١) : وأما شيخنا ، وقريبنا مصاهرة ، أبو عبد الله بن أبي بكر ، فصاحب عزم ومضاء ، وحكم صادع وقضاء. كان له ، رحمه الله ، مع كل قولة صولة ، وعلى كل رابع لا يعرف ذرّة ، فأحرق قلوب الحسدة والصّب ، وأعزّ الخطّة بما أزال عنها من الشّوائب ، وذهّب وفضّض (٢) كواكب الحق بمعارفه ، ونفذ في المشكلات ، وثبت في المذهلات (٣) ، واحتج وبكّت ، وتفقّه ونكّت.
توقيعه : قال : وحدّثنا صاحبنا أبو جعفر الشّقوري قال (٤) : كنت قاعدا في مجلس حكمه فرفعت إليه امرأة رقعة ، مضمونها أنها محبّة في مطلّقها ، وتبتغي من يستشفع لها في ردّها ، فتناول الرّقعة ، ووقع في ظهرها للحين من غير مهلة : الحمد لله ، من وقف على ما بالمقلوب (٥) ، فليصغ لسماعه إصاغة مغيث ، وليشفع للمرأة عند زوجها ، تأسّيا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبربرة في مغيث. والله يسلم لنا العقل والدين ، ويسلك بنا مسالك المهتدين. والسلام يعتمد على من وقف على هذه الأحرف من كاتبها ، ورحمة الله. قال صاحبنا : فقال لي بعض الأصحاب : هلّا كان هو الشفيع لها؟ فقلت : الصحيح أنّ الحاكم لا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه على النصوص (٦).
شعره : ولم يسمع له شعر إلّا بيتين في وصف قوس عربي النّسب في شعر من لا شعر له ، وهما : [البسيط]
هام الفؤاد ببنت (٧) النّبع والنّشم |
|
زوراء (٨) تزري بعطف البان والصّنم |
قوام قامتها تمام معطفها |
|
من يلق مقتلها تصميه أو تصم |
مشيخته : قرأ على الأستاذ المتفنّن الخطيب أبي محمد بن أبي السّداد الباهلي (٩) القرآن العظيم جمعا وإفرادا ، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث ، ولازمه ،
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٦٠). وهو لم يرد حرفيّا في تاريخ قضاة الأندلس ، وجاء فيه ما في معناه.
(٢) ذهّبها وفضّضها : جعلها ناصعة كالذهب والفضة.
(٣) في النفح : «المعضلات».
(٤) النص في تاريخ قضاة الأندلس (ص ١٨٢) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٦١) ببعض اختلاف عما هنا.
(٥) في المصدرين السابقين : «القلوب ، فليصخ لسماعه». والمراد هنا بالمقلوب : ظهر الرّقعة.
(٦) في النفح : «المنصوص».
(٧) في الأصل : «في بنت» ، وهكذا ينكسر الوزن.
(٨) في الأصل : «زورا» وهكذا ينكسر الوزن.
(٩) هو عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السّداد الأموي المالقي ، الشهير بالباهلي ، وسيترجم ـ