وسدّ السلطان ثغر الجبل بآخر من ولده اسمه السعيد ، وكنيته أبو بكر ، فلحق به في العشر الأول من المحرم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة ، ورتّب له بطانته ، وقدّر له أمره ، وسوّغه رزقا رغدا ، وعيشا خفضا. وبادر السلطان المترجم له ، إلى توجيه رسوله ؛ قاضيا حقّه ، مقرّر السّرور بجواره ، وأتبع ذلك ما يليق من الحال من برّ ومهاداة ونزل ، وتعقبت بعد أيام المكافات ، فاستحكم الودّ ، وتحسنت الألفة إلى هذا العهد ، والله وليّ توفيقهم ومسني الخير والخيرة على أيديهم.
الحادثة التي جرت عليه :
واستمرت أيامه كأحسن أيام الدول ، خفض عيش ، وتوالي خصب ، وشياع أمن ، إلّا أنّ شيخ الدولة القائد أبا النعيم ، رحمه الله ، أضاع الحزم. وإذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره ، سلب ذوي العقول عقولهم ، بما كان من أمنه جانب القصر الملزم دار سكناه ، من علية فيها أخو السلطان ، بتهاونه ، يحيل أمّه المداخلة في تحويل الأمر إليه ، جملة من الأشرار ، دار أمرهم على زوج ابنتها الرئيس محمد بن إسماعيل بن فرج من القرابة الأخلاف ، وإبراهيم بن أبي الفتح ، والدليل الموروري ، وأمدّته بالمال ، فداخل القوم جملة من فرسان القيود ، وعمرة السّجون ، وقلاميد الأسوار. وكانت تتردّد إليه في سبيل زيارة بنتها الساكنة في عصمة هذا الخبيث ، المنزوع العصمة ، خارج القلعة حتى تمّ يوم الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من العام ، اجتمعوا وقد خفي أمرهم ، وقد تألّفوا عددا يناهز المائة بالقوس الداخل من وادي هدارّه إلى البلد ، لصق الجناح الصاعد منه إلى الحمراء ، وكان بسورها ثلم ، لم يتمّ ما شرعوا فيه من إصلاحه ؛ فنصبوا سلما أعدّ لذلك ، وصعدوا منه. ولمّا استوفوا ، قصدوا الباب المضاع المسلحة ، للثقة بما قبله ؛ فلمّا تجاوزوه أعلنوا بالصياح ، واستغلظوا بالتهويل ، وراعوا الناس بالاستكثار من مشاعل الخلفاء ، فقصدت طائفة منهم دار الشيخ القائد أبي النّعيم ؛ فاقتحمته غلابا وكسرت أبوابه ؛ وقتلته في مضجعه ؛ وبين أهله وولده ، وانتهبت ما وجدت به. وقصدت الأخرى دار الأمير ، الذي قامت بدعوته ، فاستنجزته واستولت على الأمر. وكان السلطان متحوّلا بأهله إلى سكنى «جنّة العريف» خارج القلعة ، فلمّا طرقه النبأ ؛ وقرعت سمعه الطبول سدّده الله ؛ وساند أمره في حال الحيرة ، إلى امتطاء جواد كان مرتبطا عنده في ثياب تبذّله ومصاحبا لأفراد من ناسه ؛ وطار على وجهه ، فلحق بوادي آش قبل سبوق نكبته ، وطرق مكانه بأثر ذلك ، فلم يلف فيه ، واتّبع فأعيا المتبع. ومن الغد ، استقام الأمر لأولي الثورة ، واستكملوا لصاحبهم أمر البيعة ، وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم بالأزمّة ، وأرسلوا إلى ملك النصارى في عقد الصلح. وشرعوا في منازلة وادي آش ، بعد أن ثبت أهلها مع