محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي (١)
قاضي الجماعة ببيضة الإسلام فاس ، يكنى أبا عبد الله.
حاله : هذا الرجل له أبوّة صالحة ، وأصالة زاكية ، قديم الطلب ، ظاهر التخصّص ، مفرط في الوقار ، نابه البزّة والركبة ، كثير التهمة ، يوهم به الفارّ ، وصدر الصّدور في الوثيقة والأدب ، فاضل النفس ، ممحوض النصح ، جميل العشرة لإخوانه ، مجري الصّداقة نصحا ومشاركة وتنفيقا على سجيّة الأشراف وسنن الحسباء ، مديد الباع في فن الأدب ، شاعر مجيد ، كاتب بليغ ، عارف بالتّحسين والتّقبيح ، من أدركه ، أدرك علما من أعلام المشيخة. قدّمه السلطان الكبير العالم أبو عنان فارس ، قاضيا بحضرته ، واختصّه ، واشتمل عليه ، فاتصل بعده سعده ، وعرف حقّه. وتردّد إلى الأندلس في سبيل الرسالة عنه ، فذاع فضله ، وعلم قدره. ولما كان الإزعاج من الأندلس نحو النّبوة التي أصابت الدولة ، بلوت من فضله ونصحه وتأنيسه ، ما أكد الغبطة ، وأوجب الثناء ، وخاطبته بما نصه : [الكامل]
من ذا يعدّ فضائل الفشتالي |
|
والدهر كاتب آيها والتّالي |
علم إذا التمسوا الفنون بعلمه |
|
مرعى المشيح ونجعة المكتال |
نال الذي لا فوقها من رفعة |
|
ما أمّلتها حيلة المحتال |
وقضى قياس تراثه عن جدّه |
|
إن المقدّم فيه عين التالي |
قاضي الجماعة ، بماذا أثنى على خلالك المرتضاة؟ أبقديمك الموجب لتقديمك؟ أم بحديثك الداعي لتحمّل حديثك؟ وكلاهما غاية بعد مرماها ، وتحامى المتصوّر حماها ، والضالع لا يسام سبقا ، والمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وما الظنّ بأصالة تعترف بها الآثار وتشهد ، وأبوّة صالحة كانت في غير ذات الحق تزهد ، وفي نيل الاتصال به تجهد ، ومعارف تقرر قواعد الحق وتمهّد ، وتهزم الشّبه إذا تشهّد. وقد علم الله أن جوارك لم يبق للدهر عليّ جوارا (٢) ، ولا حتّ من غصني ورقا ولا نوّارا. هذا وقد زأر على أسد وحمل ثورا ، فقد أصبحت في ظل الدولة التي وقف على سيدي اختيارها ، وأظهر خلوص إبريزه معيارها ، تحت كنف وعزّ مؤتنف ، وجوار أبي دلف ، وعلى ثقة من الله بحسن خلف. وما منع من انتساب ما لديه من
__________________
(١) نسبة إلى فشتاله وهي إحدى القبائل الجبلية التي تقطن في شمال مدينة فاس. الإحاطة (ج ٢ ص ١٨٧) حاشية رقم ١.
(٢) في الأصل : «جوار».