وفي اليوم السابع لشوال من عام التاريخ ، قعد السلطان بقبّة العرض بظاهر جنّة المصارة لتشييعه (١) ، بعد اتخاذ ما يصلح لذلك ؛ من آلة وحلية ، وقد برز الخلق ، لمشاهدة ذلك الموقف المسيل للدموع ، الباعث للرّقّة ، المتبع بالدّعوات ، لما قذف الله في القلوب من الرحمة ، وصحبه به في التغرّب من العناية ، فلم تنب عنه عين ، ولا خمل له موكب ، ولا تقلّصت عنه هيبة ، ولا فارقته حشمة ، كان الله له في الدنيا والآخرة. وأجاز ، واضطربت الأحوال ، بما كان من هلاك معينه السلطان أبي سالم ، وغدر الخبيث المؤتمن على قلعته به ، عمر بن عبد الله بن علي ، صعّر الله حزبه ، وخلّد خزيه ، وسقط في يده ، إلّا أنّه ثبتت في رندة من إيالة الأندلس ، الراجعة إلى إيالة المغرب ، قدمه ، فتعلّل بها ، وارتاش بسببها ، إلى أن فتح الله عليه ، وسدّد عزمه ، وأراه لمّا ضعفت الحيل صنعه ، فتحرّك إلى برّ مالقة ، وقد فغر عليها العدوّ فمه ، ثم أقبل على مالقة ، مستميتا دونها ، فسهّل الله الصّعب ، وأنجح القصد ، واستولى عليها ، وانثالت عليه لحينها البلاد ، وبدا الريّس المتوثّب على الحضرة ، بعد أن استوعب الذّخيرة والعدّة ، في جملة ضخمة ممن خاف على نفسه ، لو وفّى بذمّة الغادر وعهده ، واستقرّ بنادي صاحب قشتالة ، فأخذه بجريرته (٢) ، وحكّم الحيلة في جنايته وغدره ، وألحق به من شاركه في التّسوّر من شيعته ، ووجّه إلى السلطان برءوسهم تبع رأسه. وحثّ السلطان أسعده الله خطاه إلى الحضرة ، يتلقّاه الناس ، مستبشرين ، وتتزاحم عليه أفواجهم مستقبلين مستغفرين ، وأحقّ الله الحقّ بكلماته ، وقطع دابر الكافرين.
وكان دخول السلطان دار ملكه ، وعوده إلى أريكة سلطانه ، وحلوله بمجلس أبيه وجدّه ، زوال يوم السبت الموفي عشرين لجمادى الثانية من عام ثلاثة وستين وسبعمائة ، جعلنا الله من همّ الدنيا على حذر ، وألهمنا لما يخلص عنده من قول وعمل. وتخلّف الأمير وولده بكره ، أسعده الله ، بمدينة فاس فيمن معه من جملة ، وخلّفه من حاشية ولد المستولي على ملك المغرب في إمساكه إلى أن يسترجع رندة في معارضة هدفه. ثم إن الله جمع لأبيه بجمع شمله ، وتمّم المقاصد بما عمّه من سعده. وكان وصولي إليه معه ، في محمل اليمن والعافية ، وعلى كسر التّيسير من الله والعناية يوم السبت الموفي عشرين شعبان عام ثلاثة وستين وسبعمائة.
__________________
(١) أي لتشييع سلطان غرناطة المخلوع.
(٢) الجريرة : الذنب والجناية. لسان العرب (جرر).