ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور :
هنّأ المسلمين ببركتها الوافرة ، ومزاياها المتكاثرة ، السلطان ، أيّده الله ، قد مرّ ذكره ، ويسّر الله من ذلك ما تيسّر.
وزراؤه : اقتضى حزمه إغفال هذا الرّسم جملة ، مع ضرورته في السياسة ، وعظم الدخول ، حذرا من انبعاث المكروه له من قبله ، وإن كان قدّم بهذا اللقب في طريق منصرفه إلى الأندلس ، وأيّاما من مقامه برندة ، فنحله عن كره ، علي بن يوسف بن كماشة ، من عتاق خدّامه وخدّام أبيه ، مستصحبا إيّاه ، مسدول التّجمّل على باطن نفرة ، مختوم الجرم ، على شوكه ، في حطبه في حبل المتغلب ، وإقراضه السيئة من الحسنة ، والمنزل الخشن ، إلى الإنفاق منه على الخلال الذّميمة ، ترأسها خاصّة الشّوم ، علاوة على حمل الشيخ الغريب الأخبار ، والطّمع في أرزاق الدور ، والاسترابة بمودّة الأب ، وضيق العطن ، وقصر الباب ، وعيّ اللّسان ، ومشهور الجبن. ولمّا وقع القبض ، وساء الظنّ ، بعثه من رندة إلى الباب المريني ليخلي منه جنده ، ويجسّ مرض الأيام ، بعد أن نقل من الخطة كعبه ، فتيسّر بعد منصرفه الأمر ، وتسنّى الفتح. وحمله الجشع الفاضح ، والهوى المتّبع ، على التشطّط لنفسه ، والكدح لخويصته بما أقطعه الجفوة ، وعسر عليه العودة على السلطان بولده ، إلى أن بلغ الخبر برجوع أمره ، ودخول البلاد في طاعته ، فألقى ما تعيّن إليه ، وأهوى به الطمع البالغ في عرش الدولة ، ويرتاش في ريق انتقامها. وتحرّك وراية الإخفاق خافقة على رأسه ، قطب مخلصه ، وجؤجوة عوده ، من شيخ تدور بين فتكه رحى جعجعة ، وتثور بين أضلاعه حيّة مكيدة ، وينعق فوق مساعيه غراب شوم وطيرة. وحدّث حرفاؤه صرفا من مداخلة سلطان قشتالة ، أيام هذه المجاورة ، فبلغ أمنيته من ضرب وعد ؛ واقتناء عهد ، واتخاذ مدد ، وترصيد دار قرار ، موهما نفسه البقاء والتعمير والتملّي ، وانفساح المدة والأمر ، وقيادة الدّجن (١) عند تحوّل الموطن لملّة الكفر ، يسمح لذلك ، لنقصان عقله ، وقلّة حيائه وضعف غيرته. وطوى المراحل ، وقيّض حمّى تزلزل لها فكّاه ، أضلّها الحسرة ، وانتزاء الخبائث. وتلقّاه بمالقة ، إيعاز السلطان بالإقامة بها ، لما يتّصل به من سوء تصريفه ، ثم أطلع شافع الحياء في استقامة وطنه طوق عتبه ، وصرفه إلى منزله ، ناظرا في علاج مرضه. ثم لمّا أفاق وقفه دون حدّه ، ولم يسند إليه شيئا من أموره ، فشرع في ديدنه من الفساد عليه ، وتمرّس سلطان قشتالة ، شاكيا إليه بثّه ، وأضجر لسكنى باديته بالثّغر ، فراب السلطان أمره ، وأهمّه شأنه ، فتقبّض عليه وعلى ولده ، وصرفا في
__________________
(١) يقصد بهم المدجنين وهم المسلمون الأندلسيون الذين بقوا في أرضهم التي افتتحها النصارى.