النّوم ، والشغل لمصلحة الإسلام ، لريم الأنفاس ، فأثمر هذا الكرخ ، وأثبج هذا المسعى مناقب الدولة ، بلغت أعنان السماء (١) ، وآثارا خالدة ما بقيت الخضراء على الغبراء ، وأخبارا تنقل وتروى ، إن عاندها الحاسد ، فضحه الصّباح المنير ، وكاثره القطر المنثال ، وأعياه السّيل المتدافع.
فما يختص من ذلك بالسلطان ، فخامة الرتبة ، ونباهة الألقاب ، وتجمّل الرياش ، وتربع الشريعة ، وارتفاع التّشاجر ببابه ، والمنافسة والاغتباط منه ، بمجالس التنبيه والمذاكرة ، وبدار الدموع في حال الرّقة ، والإشادة باحتقار الدنيا بين الخاصة ، وتعيين الصدقات في الأوقات العديدة ، والقعود لمباشرة المظالم ستة عشر يوما في كل شهر من شهور الأهلّة ، يصل إليه فيها اليتيم والأرملة ، فيفرح الضعيف ، وينتظر حضور الزمن ، ويتغمّد هفوة الجاهل ، ويتأثر لشكوى المصاب ، ويعاقب الوزعة على الأغلاط ، إلى إحسان الملكة في الأسرى ، والإغراب في باب الحلم ، والإعياء في ترك الحظ ، والتبرّي من سجيّة الانتقام ، والكلف بارتباط الخيل ، واقتناء أنواع السلاح ، ومباشرة الجهاد ، والوقار في الهيعات (٢) ، وإرسال سجيّة الإيمان ، وكساد سوق المكيدة ، والتصامم عن السعاية ؛ هذا مع الشباب الغضّ ، والفاحم الجعد ، وتعدّد حبائل الشيطان في مسالك العمر ، ومطاردة قانص اللّذات في ظلّ السّلم ، ومغازلة عيون الشهوات من ثنايا الملوك. وأيم الله الذي به تستخلص الحقوق ، وتيسّر السّتور ، وتستوثق العهود ، ولا تطمئن القلوب إلّا به ؛ ما كاذبته ، ولا راضيت في الهوادة طوله ، ولا سامحته في نقيض هذه الخلال. ولقد كنت أعجب من نفاق أسواق الذّكرى لديه ، وانتظام أقيسة النصح عنده ، وإيقاع نبات الرّشد فيه نصيحة ، وأقول : بارك الله فيها من سجيّة ، وهنّأ المسلمين بها من نفس زكيّة. وسيأتي بيان هذه النتائج ، وتفسير مجمل هذه الفضائل بحول من لا حول إلّا به سبحانه. والحال متصلة على عهده الوثير من إعانته بالوسوع والخروج له عن هذه العهدة ، والتسليم له في البقيّة ، إرهافا لسيف جهاده ، وجلاء لمرآة نصحه ، وتسوية لميزان عدله ، وإهابة لمحمد رشده ، شدّ العقدة ، عقدة وغيرة على حرمة ماله وعرضه ، ورعاية للسان العلم المنبئ عن شأنه ، ونيابة عنه في معقل ملكه ، ومستودع ماله وذخيرته ، ومحافظة على سرّه وعلانيته لحرمه وولده ، وعمرانا للجوانح بتفضيله وحبّه ، معاملة أخلص الله قصدها لوجهه ، وأمحضها من أجله ، ترفعه عن جراية
__________________
(١) كلمة «السماء» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليكتمل المعنى والسجعة معا.
(٢) الهيعات : جمع هيعة وهي كل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع. محيط المحيط (هيع).