أعقاب هذه الفضائل محلّى من صفحاتها ، وأعاد لو ساعده الدهر من لمحاتها ، وارتقى من الكتابة إلى المحلّ النّبيه ، واستحقّها من بعض ميراث أبيه ، وبنى وشيّد ، ودوّن فيها وقيّد ، وشهر في كتب الحديث وروايته ، وجنى (١) ثمرة رحلة أبيه ، وهو في حجر ذؤابته (٢) ، وأنشأ الفهارس ، وأحيا الأثر الدّارس ، وألّف كتابه المسمى ب «الموارد المستعدبة والمقاصد المنتخبة» فسرح الطّرف ، وروضه طيّب الجنى والعرف. وله شعر أنيق الحلية ، حاز في نمط العلية. وبيني وبين هذا الفاضل وداد صافي الحياض ، وفكاهة كقطع الرّياض ، ودعابة سحبت الدّالة أذيالها ، وأدارت الثّقة والمقة جريالها. وسيمرّ في هذا الديوان كل رائق المحيّا ، عاطر الريّا.
مشيخته : قرأ على الأستاذ أبي جعفر الحريري ، والأستاذ أبي الحسن القيجاطي ، والأستاذ إسحاق بن أبي العاصي. وأخذ عن الطّم والرّمّ ، من مشايخ المشرق والمغرب ، فمنهم الولي الصالح فضل بن فضيلة المعافري ، إلى العدد الكثير من أهل الأندلس ، كالخطباء الصلحاء أبي عبد الله الطّنجالي ، وأبي جعفر الزيّات ، وأبي عبد الله بن الكمّاد ، وغيرهم من الرّنديين والمالقيين والغرناطيين ، حسبما تضمنه برنامجه.
تواليفه : ألّف الكتاب المسمى ، «الفوائد المنتخبة والموارد المستعدبة». وكمّل التاريخ المسمى ب «بميزان العمل» لابن رشيق. ودوّن كتابا في عبارة الرؤيا سمّاه «بشارة القلوب بما تخبره الرؤيا من الغيوب» و «الأخبار المذهّبة» و «الإشارة الصّوفية ، والنّكت الأدبية». والهودج في الكتب. والإشارة في ألف إنشاده.
شعره وكتابته : قال في التاريخ ما نصّه : «وتهادته إلى هذا العهد رتب السّيادة ، واستعمل في نبيهات القيادة ؛ فوجّه إلى معقل قرطمة من كورة ريّه وهو واليه ، وبطاحه في مجرى جياده وصحر عواليه. وقد حللت مالقة صحبة الرّكب السلطاني في بعض التّوجّهات ، إلى تلك الجهات ، في بعض ما أتحف من مقعده ، المتصل المستمر ، بهديّة مشتملة على ضروب من البرّ فخاطبته مقيما لسوق الانبساط ، وغير حائد على الوداد والاغتباط ، على ما عوّل عليه من حمل الإفراط ، والانتظام في هذا المعنى والانخراط : [الطويل]
ألام على أخذ القليل وإنما |
|
أعامل أقواما أقلّ من الذّرّ |
فإن أنا لم آخذه منهم فقدته |
|
ولا بدّ من شيء يعين على الدّهر |
__________________
(١) في الكتيبة : «واجتنى ثمره رحلة إليه ؛ وهو ...».
(٢) في المصدر نفسه : «دايته ، ودوّن الفهارس ...».