بقول أبي تمام حبيب (١) : [الكامل]
هنّ الحمام فإن كسرت عيافة (٢) |
|
من حائهنّ فإنهنّ حمام (٣) |
ولو أن إحدى الدّجاجتين لاحت عليها مخيّلة سرّ ، لكانت من بقايا مواطني ديوك بني مرّ ، وبعث بها حلالك حلاله ، وأهدى منها اجتهاد من أحسن. ولم يكن بالهديّة ما يذكر ، ولا كانت مما ينكر ، أستغقر الله ، فلو لم تكن التّحفة ، إلّا تلك الفكاهة العاطرة والغمامة الماطرة ، التي أحسبها الأمل الأقصى ، وتجاوزت إلّا من التي لا تعدّ ولا تحصى ، للزم الشكر ووجب ، وبرز من حرّ المدح ما تيسّر واحتجب. فالمكارم وإن تغيّرت أنسابها ، وجهل انتسابها ، وادّعي إرثها واكتسابها ، إليكم تنشر يدها ، وتسعى لأقدامها ، ولبيتكم تميل بهواديها ، وبساحتكم يسيل واديها ، وعلى أرضكم تسحّ غواديها. ومثلي أعزكم الله ، لا يغضي من قدر تحفكم الحافلة ، ولا يقدر من شكرها على فريضة ولا نافلة ، ولكنها دعابة معتادة ، وفكاهة أصدرتها ودادة. ولا شكّ أنكم بما جبلتم عليه قديما وحديثا ، تغتفرون جفائي ، الذي سيّرتموه سمرا وحديثا في جنب وفائي ، وتغضون وتتحملون ، وبقول الشاعر تتمثّلون ، وأسمع من الألفاظ اللغوية التي يسرّ بها سمعي ، وإن ضمنت شتمي ووصفي : [الطويل]
بعثت بشيء كالجفاء وإنما |
|
بعثت بعذري كالمدلّ إلى غدر |
وقلت لنفسي لا تردعي فإنه |
|
كما قيل شيء قد يعين على الدهر |
وما كان قدر الودّ والمجد مثله |
|
فخذه على قدر الحوادث أو قدري |
وإن كنت لم أحسن صنيعي فإنّني |
|
سأحسن في حسن القبول له شكري |
وقدرك قدر النيل عندي وإنني |
|
لدى قدرك العالي أدقّ من الذّرّ |
قنعت وحظّي من زماني وودّكم |
|
هباء ومثلي ليس يقنع بالنّزر |
أتاني كتاب منك باه مبارك |
|
لقيت به الآمال باهتة الثّغر |
جلا من بنات الفكر بكرا وزفّها |
|
إلى ناظري تختال في حبر الحبر |
فألفاظها كالزّهر والزهر يانع |
|
وقدر المعاني في الأصالة كالزهر |
نجوم معان في سماء صحيفة |
|
ولكنها تسري النجوم ولا تسري |
تضمّن من نوع الدعابة ما به |
|
رجوت الذي قد قيل في نشوة الخمر |
__________________
(١) البيت في ديوان أبي تمام (ص ٢٤٧) من قصيدة من ٥٦ بيتا.
(٢) العيافة : زجر الطير.
(٣) الحمام ، بكسر الحاء : الموت.