وإحسانه (١) كثير في النظم والنثر ، والقصار والمطولات. واستعمل في السّفارة إلى ملك مصر وملك قشتالة ، وهو الآن قاضي (٢) مدينة فاس ، نسيج وحده في السلامة والتّخصيص (٣) ، واجتناب فضول القول والعمل ، كان الله له.
محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف
ابن محمد الصّريحي (٤)
يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن زمرك. أصله من شرق الأندلس ، وسكن سلفه ربض البيّازين من غرناطة ، وبه ولد ونشأ ، وهو من مفاخره.
حاله : هذا (٥) الفاضل صدر من صدور طلبة الأندلس وأفراد نجبائها ، مختص (٦) ، مقبول ، هشّ ، خلوب ، عذب الفكاهة ، حلو المجالسة ، حسن التوقيع ، خفيف الروح ، عظيم الانطباع ، شره المذاكرة ، فطن بالمعاريض (٧) ، حاضر الجواب ، شعلة من شعل الذكاء ، تكاد تحتدم جوانبه ، كثير الرقة ، فكه ، غزل مع حياء وحشمة ، جواد بما في يده ، مشارك لإخوانه. نشأ عفّا ، طاهرا ، كلفا بالقراءة ، عظيم الدّؤوب ، ثاقب الذهن ، أصيل الحفظ ، ظاهر النّبل ، بعيد مدى الإدراك ، جيّد الفهم ، فاشتهر فضله ، وذاع أرجه ، وفشا خبره ، واضطلع بكثير من الأغراض ، وشارك في جملة (٨) من الفنون ، وأصبح متلقّف كرة البحث ، وصارخ الحلقة ، وسابق الحلبة ، ومظنّة الكمال. ثم ترقّى في درج المعرفة والاضطلاع ، وخاض لجّة الحفظ ، وركض قلم التّقييد والتّسويد والتعليق ، ونصب نفسه للناس ، متكلّما فوق الكرسي المنصوب ، وبين (٩) الحفل المجموع ، مستظهرا بالفنون (١٠) التي بعد فيها شأوه ، من العربية والبيان واللغة ، وما يقذف به في لج النقل ، من الأخبار والتفسير. متشوّفا مع ذلك إلى السّلوك ، مصاحبا للصّوفية ، آخذا نفسه بارتياض ومجاهدة ، ثم عانى الأدب ، فكان
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٠٩).
(٢) في النفح : «قاضي حضرة الملك».
(٣) في النفح : «والتخصّص».
(٤) ترجمة ابن زمرك في الكتيبة الكامنة (ص ٢٨٢) ونثير فرائد الجمان (ص ٣٢٧) ونيل الابتهاج طبعة فاس (ص ٢٨٢) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٧) ونفح الطيب (ج ١٠ ص ٣) واسمه في الأزهار والنفح : «محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الصريحي».
(٥) النص في نفح الطيب (ج ١٠ ص ٤ ـ ٥) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٨ ـ ٩).
(٦) في النفح : «مختصر».
(٧) أي المعاريض من الكلام ، وهو ما عرض به ولم يصرّح.
(٨) في النفح : «كثير».
(٩) في النفح : «وفوق المحفل».
(١٠) مستظهرا بالفنون : متقوّيا بها.