الخيل الجافية القبيلية ، المسبغة الدّروع ، من رأس إلى حافر ، في نحو ألف وخمسمائة ، وفي القلب أخوه الآخر دنطية في جمهور الزّعماء والفرسان والدّرق ، وهو الأكثر من رجال الجيش اليوم ، ومن ورائهم السلطان أندريق في لفيف من الناس. ولما حمل بعضهم على بعض أقدم رماة الفرنج ، ثقة بدروعهم ، فعظم أثرهم فيمن بإزائهم من رماة عدوهم ورجالهم ، لكونهم كشفاء ، فكشفوا إياهم. وحملت خيل قشتالة الدّارعة ، فزحزحت كرّ المصافّ الإفرنجي ، واتصل الحرب بالبرنس ، وهو مطلّ عليهم في ربوة ، فصاح بهم بحيث أسمع ، وتناول شيئا من التراب فاستفه ، وكسر ثلاث عصيي ، وفعل من معه مثل فعله ، وهي عادتهم عند الغضب ، وعلامة الإقدام الذي لا نكوص بعده. ووجّه إلى أخيه في المقدمة ، يقول له : إن وجدت في نفسك ضعفا ، فاذكر أنك ولد صاحب الأنتكيرة. وحمل الكلّ حملة رجل واحد ، فلم تجد الخيل الدّارعة سبيلا ، وقامت في نحورها تلك الأسنّة ، فولّوا منهزمين.
ولمّا رأى القند هزيمة أخيه ، تقدّم بنفسه بمن معه من مدد الأمة الرّغونية (١) ، وهو ينادي : يا أهل قشتالة ، يا موالي ، إياكم والعار ، ها أنذا ، فلم يثبت أمره ، وتراجع فلّه. فعند ذلك فرّ في أربعة من أولي ثقته ، واستولى القتل والأسر على خاصّته ، وتردّى المنهزمون في الوادي خلفهم ، فكان ذلك أعون الأسباب على هلكهم ، فأناف عدد من هلك في هذه الوقيعة ، حسبما اشتهر ، خمسين ألفا. وامتلأت أيدي هذه الأمة من الأسلحة والأموال والأمتعة والأسرى الذين يفادونهم بمال عظيم ، واتصل القند المنهزم بأرض رغون ، ثم نجم من البلاد الفرنسية ، ودخل أخوه بهذه الأمة أوائل البلاد معترفا بحميد سعيهم ، وعزيز نصرهم ، وقد رابه استيلاؤهم ، وأوجسه تغلبهم ، وساءه في الأرض الرّعّادة عياثهم فاستأذنهم في اللّحوق بقواعد أرضه ، وقبض الأموال التي تجبي منها نفقاتهم ، وقبض منها ديونهم قبله. وحثّ السّير ، فوصل طليطلة ، لا يصدّق بالنجاة ، وخاطب السلطان المترجم به ، وقدر ودّه ، وحذّره سورة هذه الأمة التي فاض بحرها وأعيا أمرها ، وأنهى إليه شرّها ، وشره إلى استئصال المسلمين ، وحدّ له مواعدها التي جعلت لذلك. ووصل إشبيليّة ؛ وانثالت البلاد عليه ، وعادت الإيالة إلى حكمه ، ثم شرع في جعل الضرائب ، وفرض الأموال ، وأخاف الناس بالطّلب والتّبعات ، فعاد نفورهم عنه جزعا ، وامتنعوا من الغرم ، وطردوا العمّال ، وأحسّ
__________________
(١) نسبة إلى رغون ، وهي مملكة أراجون Aragon في الثغر الأعلى ـ إلى الجنوب الشرقي من سرقسطة.