بالشّرّ ، فتحصّن بإشبيلية وجهاتها على نفسه ، وطال على الأمة الواصلة في سبيل نصره الأمر. فرجعت إلى بلادها ، ووقيت نفرة الفرسان ، وأولي الأتباع ، وأظهروا الخلاف ، وكشفت جيّان وجهها في خلعانه ، والرّجوع إلى دعوة أخيه المتصرّف ، فتحرّك إليها السلطان المترجم به ، بعد أن احتشد المسلمين ، فكان من دخولها عنوة ، واستباحة المسلمين إياها وتخريبها ، ما هو مذكور في موضعه. ثم ألحقت بها مدينة أبّدة ، الذاهبة في مخالفة مذاهبها والحمد لله. وخالفت عليه قرطبة ، واستقرّ بها من الكبار جملة ، كاتبوا أخاه ، واستعجلوا ، فتعرّف في هذه الأيام ، أنه قد بلغ أرض برغش ، ونار الفتنة بينهم ، ويد الإسلام لهذا العهد ، والمنية لله ، وحده غالبة.
وإنما مددنا القول في ذكر هذه الأحوال الرّومية ، لغرابة تاريخها ، وليستشعر الحذر ، ويؤخذ من الأمة المذكورة وغيرها ، والله وليّ نصر المؤمنين بفضله.
وبأرض رغون سلطانها الكائن على الدولة الأولى.
بعض مناقب الدولة لهذا العهد :
وأولا ما يرجع إلى مناقب الحلم والكظم من مآزق الجهاد الأكبر ، وهو جهاد النفس.
فمن ذلك أن السلطان لمّا جرت الحادثة ، وعظه التمحيص ، وألجأ إلى وادي آش ، لا يملك إلّا نفسه في خبر طويل ، بادر إلى مخاطبة ثقته بقصبة ألمريّة ، قلعة الملك ، ومظنّة الامتناع ، ومهاد السّلامة ، ومخزن الجباية والعدّة ، وقد أصبح محلّ استقراره ، بينها ، وبين المنتزى سدّا ، وبيعة أهلها لم ينسخ الشرع منها حكما يناشده الله في رمقه ، ويتملّقه في رعي ذمّته ، والوفاء له ، وإبراء غربته ، وتمسّكه من أمانته ، فردّ عليه أسوأ الردّ ، وسجن رسوله في المطبق ، وخرج منها لعدوّه ، وناصح بعد في البغي عليه. فلمّا ردّ الله الأمر ، وجبر الحق ، أعتب وأجرى عليه الرّزق. ولمّا ثار في الدولة الثانية الدليل البركي (١) ، هاتفا بالدعوة لبعض القرابة ، وأكذبه الله ، وعقّه الشيطان بعد نشر راية الخلاف ، وجعل للدولة ، علوّ اليد ، وحسن العاقبة ، وتمكّن من المذكور ، أبقى عليه ، وغلّب حكم المصلحة العامة في استحيائه ، وهو من مغربات الحلم المبني على أساس الدين ، وابتغاء وجه الله.
ولمّا أجلى عن الترشيح من القرابة ، بعد تقرّب التهمة ، وغمس الأيدي في المعصية ، صرفوا إلى المغرب صرف العافية ، وأجرى على من تخلّفوه عوائد
__________________
(١) الدليل البركي : هو أحد وزراء سلطان غرناطة الغني بالله.