القميص (١) ، وربما يظنّ بها الصدق ، وظنّ الغيب ترجيم ، ويقال : لقد خفضت الحاء بالمجاورة لهذا الأمر الجسيم (٢) ، وتنتصر لها أختها (٣) التي خيّمت بين النرجسة والرّيحانة ، وختمت السورة باسم جعلت ثانيه أكرم نبيّ على الله سبحانه ، فإن امتعضت لهذه المتظلّمة (٤) ، تلك التي سبقت بكلمتها بشارة المتكلّمة (٥) ، فأنا ألوذ بعدلها ، وأعوذ بفضلها ، وأسألها أن تقضي قضاء مثلها ، وتعمل بمقتضى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)(٦) على أنّ هذه التي قد أبدت مينها (٧) ، ونسيت الفضل بيني وبينها ، أن قال الحكمان : منها كان النشوز ، عادت حرورية (٨) العجوز ، وقالت : التّحكّم (٩) في دين الله لا يجوز ، فعند ذلك يحصحص (١٠) الحقّ ، ويعلم من الأولى بالحكم والأحقّ ، ويصيبها ما أصاب أروى ، من دعوة سعيدة (١١) حين الدّعوى ، ويا ويحها أن (١٢) أرادت أن تجني عليّ فجنت لي ، وأناخت لي مركب السعادة وما ابتغت إلّا ختلي ، فأتى شرّها بالخير ، وجاء النّفع من طريق ذلك الضّير. أتراها علمت بما يثيره اعوجاجها ، وينجلي عنه عجاجها؟ فقد أفادت عظيم الفوائد ، ونظيم الفرائد ، ونفس الفخر ، ونفيس الذّخر (١٣) ، وهي لا تنكر (١٤) أن كانت من الأسباب ، ولا تذكر إلّا يوم الملاحاة والسّباب. وإنما يستوجب الشكر جسيما ، والثناء الذي يتضوّع نسيما ، الذي شرّف إذ أهدى أشرف السّحاءات ، وعرّف بما كان من انتحاء تلك الحاء المذمومة في الحاءات ، فإنه وإن ألمّ بالفكاهة ، فما أملى (١٥) من البداهة ، وسمّى باسم السابق السّكيت ، وكان من أمر مداعبته كيت وكيت ، وتلاعب بالصّفات (١٦) ، تلاعب السّيل بالصفاة ، والصّبا بالبانة ، والصّبا بالعاشق ذي اللّبانة ، فقد أغرب بفنونه ، وأغرى
__________________
(١) إشارة إلى قصة امرأة العزيز في قوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ)[يوسف : ٢٣]. وعندما انفضح أمرها قالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الآية.
(٢) في النفح : «لهذا الجيم».
(٣) كلمة «أختها» ساقطة في النفح.
(٤) في النفح : «التكملة».
(٥) في النفح : «الكلمة».
(٦) سورة النساء ٤ ، الآية ٣٥.
(٧) المين : الكذب. لسان العرب (مين).
(٨) حرورية : أي ترفض التحكيم وتقول : لا حكم إلّا لله.
(٩) في النفح : «التحكيم».
(١٠) يحصحص الحقّ : يظهر ويبين. لسان العرب (حصحص).
(١١) في النفح : «سعدية».
(١٢) كلمة «أن» ساقطة في النفح.
(١٣) في النفح : «الدرّ».
(١٤) في النفح : «لا تشكر».
(١٥) في النفح : «بما أملّ».
(١٦) في النفح : «في الصفات تلاعب الصفاح والصّبا بالبانة».