الأرزاق ، ومرافق المواسم ، ووعد ضعفاءهم بالإرفاد ، وتجوفي عمّا يرجع للجميع من عقار ورباع ، وأسعفت آمالهم في لحاق ذويهم من أهل وولد.
وممّا يرجع إلى عوائد الرّفق ، ومرافق العدل من مأزق في جهاد النفس ، وقوف وكيل الدولة ، مع من يجاور مستخلص (١) السلطان من العامرين (٢) ومما ولي الفلاحة ، وقد ادّعوا أضرارا ، يجرّه الحوار بين يدي القاضي بالحضرة ، حتى بعد منقطع الحقّ ، على ما يخصّ السلطان من الأصول التي جرّها الميراث عن كريم السّلف. ولا كقضية التاجر المعروف بالحاج اللبّاس ، من أهل مدينة وادي آش ، وقد تحصّلت في داره ، من قبل التاجر المذكور جارية من بنات الروم ، في سبيل تفوّت الذّمم ، ومستهلك المتولات ، وترقّت إلى تربية ولده ، وأصبحت بعض الأظآر (٣) لأمرائه ، واتّصل بها كلفه ، وزاد هيمانه ، وغشي مدافن الصّالحين من أجلها ، وأنهيت إليه خبره وبثّه ، وقرّرت عنده شجوه ، وألمعت بما ينقل في هذا الباب عن الملوك قبله ، فبادر إلى إخراجها من القصر بنفسه ، وانتزاعها من أيدي الغبطة ، انتزاع القهر ، بحاله في جميل الزّي ، فمكّنت منها يد عاشقها الذّاهل ، وقد خفّت نفسه ، وسكن حسّه ، وكاد لقاؤه إيّاها أن يقضي عليه. ونظائر هذا الباب متعددة.
ومن مواقف الصّدق والإحسان من خارق جهاد النفس ، بناء المارستان الأعظم ، حسنة هذه التخوّم القصوى ، ومزيّة المدينة الفضلى. لم يهتد إليه غيره من الفتح الأول ، مع توفّر الضرورة ، وظهور الحاجة ، فأغرى به همّة الدّين ، ونفس التقوى ، فأبرزه موقف الأخدان (٤) ، ورحلة الأندلس ، وفذلكة الحسنات ، فخامة بيت ، وتعدّد مساكن ، ورحب ساحة ، ودرور مياه ، وصحّة هواء ، وتعدّد خزائن ومتوضآت ، وانطلاق جراية ، وحسن ترتيب ، أبرّ على مارستان مصر (٥) ، بالسّاحة العريضة ، والأهوية الطيّبة ، وتدفّق المياه من فورات المرمل ، وأسود الصخر ، وتموّج البحر ، وانسدال الأشجار ، إلى موافقته إياي ، وتسويغه ما اخترعته بإذنه ، وأجريته بطيب نفسه ، من اتخاذ المدرسة والزاوية ، وتعيين التّربة ، مغيرا في ذلك كله على مقاصد
__________________
(١) المراد بمستخلص السلطان : الأملاك السلطانية الخاصة.
(٢) العامريون : هم الذين يفلحون الأرض ويعمرونها. لسان العرب (عمر).
(٣) الأظآر : جمع ظئر ، والظئر : المرضعة غير ولدها ، وظئر الرجل : ابنه من الرضاع. لسان العرب (ظأر).
(٤) الأخدان : جمع خدن وهو الصاحب والرفيق والصديق. محيط المحيط (خدن).
(٥) أغلب الظن أنه المارستان المنصوري الكبير الذي أنشأه السلطان المنصور بن قلاوون سنة ٦٨٣ ه.