الخمائل أتنسّم صباها ، وأتسنّم رباها (١) ، وأجتني أزهارها ، وأجتلي أنوارها ، وأجول في خمائلها ، وأتنعّم ببكرها وأصائلها ، وأطوف بمعالمها ، وأتنشّق أزهار كمائمها ، وأصيخ بأذن الشّوق (٢) إلى سجع حمائمها ، وقد داخلتني الأفراح ، ونالت منّي نشوة الارتياح ، ودنا السّرور لتوسّم (٣) ذهاب الأتراح. فلمّا أفقت من غمرات سكري ، ووثبت من هفوات فكري ، وجدت (٤) مرارة ما شابه لبّي (٥) في استغراق دهري ، وكأنّي من حينئذ عالجت وقفة الفراق ، وابتدأت منازعة الأشواق ، وكأنما أغمضتني (٦) للنّوم ، وسمح لي بتلك الفكرة الحلم (٧) : [الكامل]
ذكر الدّيار فهاجه تذكاره |
|
وسرت به من حينه أفكاره |
فاحتلّ منها حيث كان حلوله |
|
بالوهم فيها واستقرّ قراره |
ما أقرب الآمال من غفواته |
|
لو أنها قضيت بها أوطاره (٨) |
فإذا جئتها أيها القادم ، والأصيل قد خلع عليها بردا مورّسا ، والربيع قد مدّ على القيعان منها سندسا ، اتّخذها (٩) فديتك معرّسا (١٠) ، واجرر ذيولك فيها متبخترا (١١) ، وبثّ فيها من طيب نفحاتك عنبرا ، وافتق عليها من نوافج (١٢) أنفاسك مسكا أذفرا ، واعطف معاطف (١٣) بانها ، وأرقص قضب ريحانها ، وصافح صفحات نهرها ، ونافح (١٤) نفحات زهرها. هذه كلّها أمارات ، وعن أسرار مقاصدي عبارات ، هنالك تنتعش بها صبابات ، تعالج صبابات ، تتعلّل بإقبالك ، وتعكف على لثم أذيالك ، وتبدو لك في صفة الفاني المتهالك ، لاطفها بلطافة
__________________
(١) أتسنّم رباها : أعلوها وأرتفع إليها. لسان العرب (سنم).
(٢) في الأصل : «الشون» والتصويب من النفح.
(٣) في النفح : «لتوهّم».
(٤) في الأصل : «وجدّدت» والتصويب من النفح.
(٥) في النفح : «لي».
(٦) في النفح : «أغمضني النوم».
(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩).
(٨) رواية البيت في أصل الإحاطة هي :
يا لقرب الآمال من هفواته |
|
لو أنه قضت بها أوطاره |
وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٩) في النفح : «فاتّخذها».
(١٠) المعرّس : مكان النزول ليلا. لسان العرب (عرس).
(١١) في الأصل : «تبخترا» والتصويب من النفح.
(١٢) في الأصل : «نوافح» بالحاء المهملة ، والتصويب من النفح. والنوافج : جمع نافجة وهي وعاء المسك. لسان العرب (نفج).
(١٣) في الأصل : «بعاطف» والتصويب من النفح.
(١٤) المراد ب «نافح» المغالبة في إظهار الريح ليظهر أيهما أظهر أريحا. لسان العرب (نفح).