الملوك ، نقشا عليه ، بطيب اسمه في المزيد ، وتخليد في الجدرات للذّكر ، وصونا للمدافن غير المعتادة ، في قلب بلده بالمقاصر والأصونة ، وترتيل التلاوة ، آناء الليل (١) ، وأطراف النهار. وكل ذلك إنما ينسب إلى صدقاته ، وعلوّ همّته. ويشهد بما ينبّه الحسّ إلى المنقبة العظمى ، في هذا الباب ، من إمداد جبل الفتح ، مع كونه في إيالة غيره ، وخارج عن ملكة حكمه ، وما كان من إعانته ، وسدّ ثغره ، فانهار إليه على خطر السّرى ، والظهر البعيد المسعى ، ما ملأ الأهواء ، وقطع طمع العداة ، أنفقت عليه الأموال ، ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، بودر بذلك ، بين يدي التفاؤل ، بنزول العدوّ إياه ، فكان الكرى (٢) على إيصال الطعام إليه ، بحساب درهم واحد وربع درهم للرّطل من الطعام ، منفعة فذّة ، وحسنة كبرى ، وبدعا من بدع الفتوى.
وفي موقف الاستعداد لعدوّ الإسلام ، من خارق جهاد النفس ، إطلاق البنى (٣) ، للمدّة القريبة ، والزمان الضيق ، باثنين وعشرين ثغرا من البلاد المجاورة للعدوّ ، والمشتركة الحدود ، مع أراضيه ، المترامية النيران لقرب جوابه ، منها ثغر أرجدونة (٤) ، المستولي عليه الخراب ، أنفق في تجديد قصبته ؛ واتخاذ جبّه ، ما يناهز عشرين ألفا من الذهب ، فهو اليوم شجى العدو ، ومعتصم المسلمين ، وحصن أشر ، وما كان من تحصين جبله بالأسوار والأبراج ، على بعد أقطاره ، واتخاذ جباب الماء به ، واحتفار السانية (٥) الهايلة بربضه ، ترك بها من الآثار ما يشهد بالقوة لله ، والعناية بالإسلام. ثم ختم ذلك بنديد حصن الحمراء ، رأس الحضرة ، ومعقل الإسلام ، ومفزع الملك ، ومعقد الأيدي ، وصوان المال والذّخيرة ، بعد أن صار قاعا صفصفا ، وخرابا بلقعا ، فهو اليوم عروس يجلي المهضب ، ويغازل الشهب ، سكن لمكانه الإرجاف ، وذوت نجوم الأطماع ، ونقل إليه مال الجباية ، المتفضّل لهذا العهد ، بحسب التدبير ، ونفّد الخراج ، وصوّن الألقاب ، وقمع الخزانة بما لم يتقدّم به عهد ، من ثمانين سنة ، والحمد لله ، وتجديد أساطيل الإسلام ، وإزاحة علل جيوش المرج ، وعساكر البحر ، فهي لهذا العهد ، ملس الأديم ، شارعة الشّبا ، منقضّة جفاتها إلى مساواة الأعداء ، راكبة ظهور المحاسن ، قلقة الموافق ، قدما إلى الجهاد ، قد تعدّد إغزاؤها ، وجاست
__________________
(١) آناء الليل : ساعاته.
(٢) الكرى : الأجر.
(٣) البنى : جمع بناء.
(٤) أرجدونة وأرشذونة ، بالإسبانيةArchidona : قاعدة كورة ريّه ، وهي بقبليّ قرطبة ، ومن مدنها مالقة ، وتبعد عنها ثمانية وعشرين ميلا. الروض المعطار (ص ٢٥).
(٥) السانية : الساقية.