البحر سوابحها ، وتعرّفت بركتها ، والحمد لله ، وأنصاب جيش الجهاد ، استغرق الشهور المستقبلة ، لرود الصفراء والبيضاء الأهلّة إلى أكفّ أهلها ، على الدوام ، بعد أن كانت يتحيّفها المطل ، وينقصها المطال ، والحمد لله.
وفي مواقف الجهاد الحسّي ، وبيع النّفوس من الله ، وهو ثمرة الجهاد الأول ، ما لا يحتاج عليه إلى دليل ، من الجوف (١) إلى حصن أشر ، قبل الثغر ، والجارح المطلّ على الإسلام ، والعزم على افتتاحه ، وقد غاب الناس من مساورته ، وأعيا عليهم فتحه ، فلزمه السلطان بنفسه ، بياض يوم القيظ ، محرضا للمقاتلة ، مواسيا لهم ، خالطا نفسه بالمستنفرة ، يصابر لهيب النار ، ووقع السلاح ، وتعميم الدّخان ، مفديا للكلمات ، محرّضا لذوي الجراح ، مباشرا الصلاة على الشهداء ، إلى أن فتحه الله على يده ، بعزمه وصبره ، فباشر رمّ سوره بيده ، وتحصين عورته بنفسه ، ينقل إليه الصّخر ، وينال الطّين ، ويخالط الفعلة ، لقرب محلّ الطاغية ، وتوقع المفاجأة. ثم كان هذا العمل قانونا مطّردا في غيره ، وديدنا في سواه ، حسبما نذكر في باب الجهاد.
وفي باب النصيحة للمسلمين من مآزق الجهاد الأكبر ، ما صدر في هذه الدولة ، من مخاطبة الكافة ، بلسان الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، صدعت بذلك الخطباء من فوق أعواد المنابر ، وأسمعت آذان المحافل ، ما لم يتقدم به عهد في الزمان الغابر.
نص الكتاب : ولمّا صحّت الأخبار بخروج الأمة الإفرنسية إلى استئصال هذه البقيعة ، والله متمّ نوره ، ولو كره الكافرون ، صدر من مخاطبة الجمهور في باب التحريض بما نصّه :
«من أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد نصر ، أيّده الله ونصره ، وأوى أمره ، وخلّد مآثره ، إلى أوليائنا الذين نوقظ من الغفلة أحلامهم ، وندعوهم لما يطهّر من الارتياب إيمانهم ، ويخلص لله أسرارهم وإعلانهم ، يرثي لعدم إحسانهم ، وخيبة قياسهم ، ويغار من استيلاء الغفلات على أنواعهم وأجناسهم ، ونسأل الله لهم ولنا إقالة العثرات ، وتخفيض الشدائد المعتورات ، وكفّ أكفّ العوادي المبتدرات. إلى أهل فلانة ، دافع الله عن فئتهم الغريبة ، وعرّفهم في الذراري والحرم عوارف اللطائف القريبة ، وتداركهم بالصنائع العجيبة ، سلام عليكم أجمعين ، ورحمة الله وبركاته.
__________________
(١) الجوف في اصطلاح المغاربة الجهة المقابلة للقبلة ، أي الشمال. اللمحة البدرية (ص ٢٢ ، حاشية ٣).