بان ، فأدهنا في شانه ، ولم يكن يعاوده خوف طغيانه ، فإذا الخبر لم يخط صماخه ، وكأنما كان عودا وافى مناخه ، أو طائرا أمّ أفراخه. فلم ينشب أن أقبل يصمد نحونا أي صمد ، ويتعرضنا على عمد ، تعرّض الجوزاء للنجوم ؛ وينقضّ انقضاض نيازك النجوم ، وقال : ألم يأن أن تدينوا لي بالإكبار ، وتعلموا أني من الجهابذة الكبار؟ فقلنا : منك الإسجاح ، فقد ملكت ومنك ولك النجاح ، أيّة سلكت. فأطرق زهوا ، وأعرض عنا لهوا ، وقال : اعلموا أن القرعة لو طوت أسرارها ، ومنعتني أخبارها ، لمزّقت صدارها ، وذروت غبارها ، ولكان لي عنها أوسع منتدح ، وأنجد زناد يقدح ، أين أنتم عن رصدي الأحلاك ، وعلمي بالأفلاك؟ أنا في مرج الموج ، وأوج الأوج ، والمتفرد بعلم الفرد والزّوج ، ومسترط السّرطان ، ومستدير الدّبران ، وبائع المشتري بالميزان ، والقابض بيوم الحساب والعمل ، على روق الثّور وذنب الحمل ، أعقد نصل العقرب ، وأقيّد الأبعد والأقرب ، لصيد أوابدها بالدقائق والدّرج ، حتى اضطرّ سارحها إلى الحرج ، وأصبحها في أضيق منعرج ، أنا استذكرت بالأنبار ، فرحة الإقبال وترحة الإدبار ، وطالعت أقليدس فاستنبطته ، وصارعت المجسطي فجسطنته ، وارتمطت إلى الأرتماطيقا ، وأطقت الألوطيقا ، ولحظت التحليل بحلّ ما عقده ، وانتضيته ما مطل به الجهابذة فنفّذه. وعاينت زحل ، حين استقلّ على بعيره ورحل ، وضايقته في ساحته ، وحصرته في مساحته ، وحضرت قرانه ، وشهدت تقدّمه ومرانه ، وشاهدته شفرا بشفر ، وناجاني برقا يعدّ في الكفر ، وتخريبه لملك الصّفر ، وتفريقه لبلاد اللّطينة ، وإنجاز الوعد في فتح قسنطينة. أنا عقدت رشا الدّلو ، وذروت غبار الحوت للفلو. أنا اقتدحت سقط الجوزهر ، فلاح بعد خفائه وظهر. أنا استثرت الهلال من مكامن سرره ، وأخذت عليه ثنايا سفره ، وقددت قلامته من ظفره ، ودللت طير الصّاير على شجره ، فجنيت المرّ من ثمره ، أنا طرقت الزّهرة في خدرها ، وصافحتها من الفكرة بيد لم تدرها. أنا أذكيت على ذكاء فظلّت تلتهب ، وأحرزتها من الوهم شطنا أجذبها به فتنجذب. أنا أنعى للمعتبرين حياتها ، فيشبهون الحسنة ويتحرّون أوقاتها ، حتى تنتشر بعد الطيّ حياتها ، وتستقيل من العثار آياتها. أنا انتضيت للشباب شرخا ، وأضرمت للمرّيخ عقارا ومرخا ، حتى أتغانى بملاحم حروبه ، وحوادث طلوعه وغروبه ، وتلمّظه إلى النّجيع ، وولوغه في مهجة البطل السّجيع. أنا أبرى من اللّمم ، وأشفى من الصّمم ، وأنقل العطس إلى الشّمم. فقلنا : أمّا الأولى ، فقد سلّمنا لك جميعها ، وأمّا هذه الثلاثة فلن تستطيعها. قال : فلم تعجزون ولا تستخزون؟ فقلنا : من كان له علاج فبنفسه يبدأ ، ونغب بغيره. ولسنا نريدك ، ولكن تهتزّ يدك. قال : أما من بينهم روي ، وألقى في روعه ما ألقى في روعي ، فمثله كالصّارم ، حسنه في فرنده ، لا غمده ، وجماله في حدّه لا في خدّه ،