الخرق ، وفارقت من الضيق منتداه ، وأفلتتني يداه ؛ فحنّكني السعد بتمر المدينة ، وسقاني من ماء البلدة الأمينة ، وعوّذني بدعوات متينة. فها أنا كما ترى أتهادى وأجتذب ، وأستحلي وأستعذب. فقلنا : لعمرك إنه لفضل عميم ، لو لا الصّميم ، وإنها لمنقبة ، لو لا العقبة ، وأثرة ملتمسة ، لو لا العطسة ، فقال : دعنا من زخاريفك ، وأغضض من عنان تصاريفك. البازل (١) لا يكون إلّا ذميما ، والليث لا يوجد إلّا شميما. ثم قام وحمل ، وابتدر وارتجل : [مجزوء الخفيف]
عيشنا كلّه خدع |
|
فاترك اللوم عنك ودع |
أنا كالليث والليو |
|
ث بأرسائها ترع |
ولها الأوجه السّي |
|
مه من يلقها يرع |
أيّ حسن لمازن |
|
بيد الدّلّ يخترع؟ |
أنا كالسّيف حدّه |
|
لا يبالي بما وقع |
إنما الحسن للمها |
|
ة وللظّبي يا لكع |
فقلت : تبّا لك سائر اليوم ، إنك لتريش وتبري ، وتقدّ وتفري ، وتحاسن وتقابح ، وتهارش وتنابح ، وتحبّ وتتأمل ، وتحسن وتغلغل ، وتشاعر وتراجز ، وتناطح وتناجز. وأنت على هذا كله مصرّ ، ما جزاؤك إلّا ريح فيها صرّ ، فما هو إلّا أن غفلت عنه لمحة طرف ، أو نفحة عرف ، ثم التفتّ وإذا به قد أفلس ، وكأنما كان برقا خلّس ، ولم أدر أقام أو جلس.
ومحاسنه القطر الذي لا يعدّ ، والأمر الذي يأخذه الحدّ. وكفى بهذه الرسالة دليلا على جلالة مقداره ، وتدفّق بحاره وفخاره ؛ لما اشتملت عليه من بلاغة وبيان ، وبساط حال أنت على خبره بعيان ، وعلوم ذات افتنان ، خلّد الله عليه الرحمة ، وضاعف له المنّة والنعمة.
مولده : بأوائل ربيع الثاني عام خمسة وستين وأربعمائة (٢).
وفاته : من خطّ الحافظ المحدّث أبي القاسم بن بشكوال ، رحمه الله : كان (٣) ممن أصيب أيام الهرج بقرطبة ، فعظم المصاب به ، الشيخ الأجلّ ، ذو الوزارتين ، السيد الكامل ، الشهير الأثير ، الأديب ، اللغوي ، السّري ، الكاتب البليغ ، معجزة زمانه
__________________
(١) البازل : ما بزل نابه من الإبل في السنة التاسعة. محيط المحيط (بزل).
(٢) قال في معجم الصدفي (ص ١٥٤): «ومولده سنة خمس ، وقيل : سنة ثلاث وستين وأربعمائة».
(٣) هذا النص غير وارد في الصلة. وجاء في الصلة بعض مما ذكر هنا.