وقال في المصحف الإمام ، المنسوب إلى عثمان بن عفان ، لما أمر المنصور بتحليته بنفيس الدّرّ من قصيدة (١) :
ونفّلته (٢) من كلّ ملك ذخيرة |
|
كأنهم كانوا برسم مكاسبه |
فإن ورث الأملاك شرقا ومغربا |
|
فكم قد أخلّوا جاهلين بواجبه |
وألبسته الياقوت والدرّ (٣) حلية |
|
وغيرك قد روّاه من دم صاحبه |
كتابته : قال ابن سعيد في المرقصات والمطربات (٤) : أبو عبد الله بن عيّاش ، كاتب الناصر وغيره ، من بني عبد المؤمن ، وواسطة عقد ترسيله ، قوله في رسالة كتبها في نزول الناصر على المهدية بحرا وبرا ، واسترجاعها من أيدي الملثّمين :
ولما حللنا عرى السّفر ، بأن حللنا حمى المهديّة ، تفاءلنا بأن تكون لمن حلّ بساحتها هديّة ، فأحدقنا بها إحداق الهدب بالعين ، وأطرنا لمختلس وصالها غربان البين ، فبانت بليلة باسنيّة ، وصابح يوما صافحته فيه يد المنية. ولما اجتلينا منها عروسا قد مدّ بين يديها بساط الماء ، وتوجهت بالهلال وقرّطته بالثّريا ووشّجت بنجوم السّماء ، والسّحب تسحب عليها أردانها فترتديها تارة متلثّمة ، وطورا سافرة ، وكأنما شرفاتها المشرفة أنامل مخضبة بالدّياجي ، مختتمة بالكواكب الزّاهرة ، تضحي عن شنب لا تزال تقبّله أفواه المجانيق ، وتمسي باسمة عن لعس لا تبرح ترشفه شفاه سهام الحريق ، خطبناها فأرادت التّنبيه على قدرها ، والتوفير في إعلاء مهرها ، ومن خطب الحسناء لم يغله المهر فتمنّعت تمنّع المقصورات في الخيام ، وأطالت إعمال العامل في خدمتها وتجريد الحسام ، إلى أن تحقّقت عظم موقعها في النفوس ، ورأت كثرة ما ألقي لها من نثار الرءوس ، جنحت إلى الإحصان بعد النّشوز ، ورأت اللّجاج في الامتناع من قبول الإحسان لا يجوز ، فأمكنت زمامها من يد خاطبها ، بعد مطاولة خطبها وخطابها ، وأمتعته على رغم رقيها بعناقها ورشف رضابها ، فبانت معرّسا حيث لا حجال إلّا من البنود ، ولا خلوق إلّا من دماء أبطال الجنود ، فأصبح وقد تلألأت بهذه البشائر وجوه الأفكار ؛ وطارت بمسارها سوائح البراري وسوانح البحار. فالحمد
__________________
(١) الأبيات في التكملة (ج ٢ ص ١١٦) والذيل والتكملة (ج ٦ ص ٣٨٧).
(٢) في الأصل : «ونقلت» وكذا ينكسر الوزن. والتصويب من الذيل والتكملة. وفي التكملة : «ونقلته».
(٣) في الأصل : «الدرّ والياقوت». وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.
(٤) لم يرد شيء من هذا في المرقصات والمطربات ، وجاء فيه (ص ٩٢) بيتان من الشعر لأبي جعفر بن عياش ، شاعر المائة السابعة ، وليس لأبي عبد الله بن عياش.