ومارق حرب عوان (١) ، والأيام كرات تتلقّف ، وأهوال (٢) لا تتوقّف ، فألوى بهم الدهر وأنحى (٣) ، وأغام جوّهم بعقب ما أصحى (٤) ، فشملهم الاعتقال ، وتعاورتهم (٥) النّوب الثقال ، واستقرّت بالمشرق ركابه ، وحطّت به أقتابه ، فحجّ واعتمر ، واستوطن تلك المعاهد وعمر ، وعكف على كتاب الله تعالى (٦) فجوّد الحروف ، وأحكم (٧) الخلف المعروف ، وقيّد وأسند ، وتكرّر إلى دور الحديث وتردّد ، وقدم على هذا الوطن قدوم النّسيم البليل ، على كبد العليل. ولمّا استقرّ به قراره ، واشتمل على جفنه غراره ، بادرت إلى مؤانسته ، وثابرت على مجالسته ، فاجتليت للسّرو (٨) شخصا ، وطالعت ديوان الوفاء مستقصا.
شعره : وشعره ليس بحايد عن الإحسان ، ولا غفل من النكت الحسان. فمن ذلك ما خاطبني به (٩) : [الطويل]
بيمن أبي عبد الإله (١٠) محمد |
|
تيمّن هذا القطر وانسجم القطر |
أفاض علينا من جزيل عطائه |
|
بحورا تديم (١١) المدّ ليس لها جزر |
وأنسنا لمّا عدمنا مغانيا |
|
إذا ذكرت في القلب من ذكرها عبر (١٢) |
هنيئا بعيد الفطر يا خير ماجد |
|
كريم به تسمو السّيادة والفخر |
ودمت مدى الأيام في ظلّ نعمة |
|
تطيع لك الدنيا ويعنو (١٣) لك الدهر |
وممّا خاطب به سلطانه في حال الاعتقال : [البسيط]
لعلّ عفوك بعد السّخط يغشاني |
|
يوما فينعش قلب الوالد العاني (١٤) |
__________________
(١) الحرب العوان : الشديدة التي قوتل فيها مرة بعد مرة. لسان العرب (عون).
(٢) في النفح : «وأحوال».
(٣) ألوى بهم الدهر ، وأنحى عليهم الدهر : أهلكهم. لسان العرب (لوى) و (نحا).
(٤) في الأصل : «ما أضحى» والتصويب من النفح.
(٥) تعاورتهم : تداولت عليهم. لسان العرب (عور).
(٦) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.
(٧) في النفح : «وقرأ المعروف».
(٨) في النفح : «للسّرّ». والسّرو : الفضل. محيط المحيط (سرو).
(٩) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٤).
(١٠) في الأصل : «عبد الله محمد يمن هدأ القطر ...» وهكذا ينكسر الوزن ، ولا معنى له ، والتصويب من النفح.
(١١) في الأصل : «بحور الدّيم ...» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١٢) في النفح : «... القلب ليس لها ذعر».
(١٣) يعنو : يخضع. لسان العرب (عنا).
(١٤) في الأصل : «العان» بدون ياء.