حاله : من عائد الصلة (١) : كان ، رحمه الله ، نسيج وحده زهدا وانقباضا ، وأدبا وهمّة ، حسن الشّيبة ، جميل الهيئة ، سليم الصّدر ، قليل التّصنّع ، بعيدا عن الرّياء والهوادة (٢) عاملا على السياحة والعزلة ، عالما (٣) بالمعارف القديمة ، مضطلعا بتفاريق النّحل ، قائما على صناعة (٤) العربية والأصلين ، طبقة الوقت في الشعر ، وفحل الأوان في النظم (٥) المطوّل ، أقدر الناس على اجتلاب الغريب ، ومزج (٦) الجزالة بالسّلاسة ، ووضع الألفاظ البيانيّة مواضعها ، شديد الانتقاء والإرجاء ، خامد نار الرّوية ، منافسا في الطريقة منافسة كبيرة. كتب بتلمسان عن ملوكها من بني زيّان ، ثم فرّ عنهم ، وقد أوجس منهم خيفة ، لبعض ما يجري بأبواب الملوك. وبعد ذلك بمدة ، قدم غرناطة ، فاهتزّ الوزير ابن الحكيم لتلقّيه ، ومتّ إليه بالوسيلة العلمية ، واجتذبه بخطبة التلميذ ، واستفزّه بتأنيسه وبرّه ، وأقعده للإقراء بجواره. وكان يروم الرّحلة ، وينوي السفر ، والقضاء يثبّطه. حدّثني شيخنا الرئيس أبو الحسن بن الجياب ، قال : بلغ الوزير أبا عبد الله (٧) الحكيم أنه يروم السفر ، فشقّ ذلك عليه ، وكلّفنا (٨) تحريك الحديث بحضرته. وجرى ذلك ، فقال الشيخ : أنا كالدّم بطبعي ، أتحرّك في كل ربيع.
شعره : وشعره بديع ، فمن ذلك قوله يمدح أبا سعيد بن عامر ، ويذكر الوحشة الواقعة بينه وبين أبي بكر بن خطّاب (٩) : [الوافر]
مشوق زار ربعك يا إماما |
|
محا آثار دمنتها التثاما (١٠) |
تتبّع ريقة الطّلّ ارتشافا |
|
فما (١١) نفعت ولا نقعت أواما |
وقبّل خدّ وردتها جهارا |
|
وما راعى لضرّتها ذماما |
وما لحريم بيتك أن يدانى |
|
ولا لعليّ (١٢) قدرك أن يساما |
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٣٤) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٠١ ـ ٣٠٢).
(٢) هذه الكلمة غير واردة في النفح. وفي أزهار الرياض : «والهوى».
(٣) في النفح وأزهار الرياض : «عارفا».
(٤) كلمة «صناعة» ساقطة من المصدرين السابقين.
(٥) كلمة «النظم» غير واردة في المصدرين السابقين.
(٦) من هنا حتى قوله : «أبو الحسن بن الجياب» غير وارد في المصدرين السابقين.
(٧) في المصدرين السابقين : «أبا عبد الله بن الحكيم».
(٨) في المصدرين السابقين : «وكلّفه».
(٩) ورد فقط البيتان الأول والثاني في أزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٠٥).
(١٠) في أزهار الرياض : «الشآما».
(١١) في المصدر السابق : «فلا».
(١٢) في الأصل : «لعلا» وهكذا ينكسر الوزن.