وخوضا في الماء غير المرهوف. ثم قصدوا دار الشيخ البائس علي بن أحمد بن نصر ، نفاية البيت ، ودردى القوم ، ممسوخ الشكل ، قبيح اللّتغ ، ظاهر الكدر ، لإدمان المعاقرة ، مزنون بالمعاقرة والرّبت على الكبرة ، ساقط الهمّة ، عديم الدّين والحشمة ، منتمت في البخل والهلع ، إلى أقصى درجات الخسّة ، مثل في الكذب والنميمة ، معيّب المثانة ، لا يرق بوله ، ولا يجفّ سلسه ، فاستخرجوه مبايعا في الخلافة ، منصوبا بأعلى كرسي الإمامة ، مدعوما بالأيدي لكونه قلقا لا يثبت على الصّهوة ، مختارا لحماية البيضة ، والعدل في الأمة ، مغتما للذبّ عن الحنيفية السّمحة ، وصعدوا به إلى ربوة بإزاء قلعتنا ، منتترا باب البنود (١) ، مستندا إلى الربض ، مطلا على دار الملك ، قد أقام له رسم الوزارة ابن مطرون الكاري ، الكسح الدروب برسم المسومة ، الحرد ، المهين الحجة ، فحل طاحونة الغدر ، وقدر السّوق والخيانة ، واليهودي الشكل والنّحل ، وقرعت حوله طبول الأعراس ، إشادة بخمول أمره ، واستهجان آلته ، ونشرت عليه راية فال رأيها ، وخاب سعيها ، ودارت به زعنفة من طغام من لا يملي ولا يزيد المكا والصّغير من حيله ، وانبثّت في سكك البلد مناديه ، وهتف أولياء باطله باسمه وكنيته ، وانتجزوا مواعيد الشيطان فأخلفت ، ودعوا سماسير الغرور فصمّت ، وقدحوا زناد الفتنة فصلدت وما أوارت. ولحين شعرنا بالحادثة ، ونظرنا إلى مرج الناس ، واتصل بنا ريح الخلاف ، وجهير الخلعان ، استعنّا بالله وتوكلنا عليه ، وفوّضنا أمرنا إلى خير الناصرين ، وقلنا : ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين ، واستركبنا الجند ، وأذعنا خبر العطاء ، وأطلقنا بريح الجهاد ، ونفير الجلاد. وملأنا الأكفّ بالسلاح ، وعمرنا الأبراج بالرجال ، وقرعنا طبول الملك ، ونشرنا ألوية الحق ؛ واستظهرنا بخالصة الأمراء أولياء الدعوة ، وخاطبنا فقيه الرّبض ، نخبر مخبره ؛ ونسبر غوره ، فألفيناه متواريا في وكره ، مرعيا على دينه ، مشفقا من الإخطار برمّه ، مشيرا بكمّه. وتفقّدنا البلد ، فلم نرتب بأحد من أهله. فلما كملت البيعة ، وفخمت الجملة ، أنهدنا الجيش ، وليّ أمرنا ، الذي اتخذناه ظهيرا ؛ واستنبطناه مشيرا ، والتزمناه جليسا وصهيرا ، ولم ندخر عنه محلّا أثيرا ، الشيخ الأجلّ ، أبا سعيد عثمان ابن الشيخ أبي زكريا يحيى بن عمر بن رحّو ، ممهّد الرعب بقدومه ، والسّعد في خدمتنا بخدمه ، في جيش كثيف الجملة ، سابغ العدّة ، مزاح العلة ، وافر النّاشية ، أخذ بباب الربض وشعابه ، ولفّ عليه أطنابه ، وشرع إليه أمله. ولم يكن إلّا كلّا ولا ، حتى داسه
__________________
(١) باب البنود : أحد أبواب مدينة غرناطة ، وما يزال قائما حتى اليوم. راجع نهاية الأندلس للأستاذ محمد عبد الله عنان (ص ٢٩٤) ومملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر للدكتورة مريم قاسم طويل (ص ٢٩٤).