بالسّنابك ، وتخلّفه مجرّ العوالي ، ومجرى السوابق ، وهو الحمى الذي لا يتوعد ، والمجد الذي لا يغرب ، فلو لا تظاهر مشيخته بشعار السّلم ؛ واستظلاله بظلال العافية ، لحثّ الفاقرة ، ووقعت به الرّزيّة. وفرّ الأعداء لأول وهلة ، وأسلموا شقيّهم أذلّ من وتد في قاع ، وسلحفة في أعلى يفاع ، فتقبّض عليه ، وأخذت الخيل أعقاب الغدرة أشياعه ، وقيد إلينا يرسف في قيد المهزم ، ثعلبان مكيدة ، وشكيّة ضلال ومظنّة فضيحة ، وأضحوكة سمر. فتضرّع بين أيدينا ، وأخذته الملامة ، وعلاه الخزي ، وثلّ إلى المطبق ، حتى نستدعي حكم الله في جرمه ، ونقتضي الفتيا في جريرته ، ونختار في أقسام ما عرضه الوحي من قتلته. وهدأت الثائرة ، والحمد لله من يومها ، واجتثّت شجرة الخلاف من أصلها ، فالحمد لله الذي أتمّ نوره ولو كره الكافرون (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٣٩) (١). وما ذا رابهم منّا ، أصغر الله منقلبهم ، وأخزى مردّهم ، واستأصل فلكهم؟ أولا يتبنى أمر وارثه ، ثم عوده إلينا طواعية ، ثم رفعنا وطأة العدو وحربه ، ومددنا ظلال الأمن دفعة ، وأنفأنا رمق الثغور ، حين لم يجدوا حيلة إلّا ما عرفوا من أمنه ، وبلوا من حيطته وتسوّغا من هدنة ، وانسحبت فوق آمالهم وحريمهم من عفّة ، وأظهر الله علينا من نعمة. ربّنا أنك تعلم ما نخفي وما نعلن ، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء. اللهمّ ألبسنا سريرتنا ، وعاملنا بدخلتنا فيهم ، وإن كنّا أردنا لجماعتهم شرّا ، وفي دينهم إغماضا ، وعن العدل فيهم عدولا ، فعاملنا بحسب ما تبلوه من عقيدنا ، وتستكشفه من خبيئتنا ، وإن كنت تعلم صحة مناصحتنا لسوادهم ؛ واستنفادنا الجهد في إتاحة عافيتهم ، ورعي صلاحهم ، وتكيف آمالهم ، فصل لنا عادة صنعك فيهم ، ومسّلنا طاعتهم ، واهد بنا جماعتهم ، وارفع بنظرنا إطاعتهم ، يا أرحم الراحمين.
ولما أسفر صبح هذا الصّنع عن حسن العفو ، واستقرّ على التي هي أزكى ، وظهر لنا ، لا تخاف بالله دركا ولا تخشى ، وأن سبيل الحق أنجى ومحجّته أحجى ، خاطبنا كم نجلو نعم الله قبلنا عليكم ، ونشيد بتقوى الله بناديكم ، وعنايته لدينا ولديكم ، ونهدي طرف صنعه الجميل قبلنا إليكم ليكسبكم اعتبارا ، فزجّوا الله وقارا ، وتزيّدوا يقينا واستبصارا ، وتصفّوا العين من اختار لكم اختيارا. وهو حسبنا ونعم الوكيل ، والله يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم. كتب في كذا. والسلام عليكم ، ورحمة الله وبركاته.
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ ، الآية ١٣٩. ومتبّر : هالك.