الجهاد في شعبان من عام سبعة وستين وسبعمائة :
اقتضى نظر الحزم ، ورأى الاجتهاد للإسلام إطلاق الغارات على بلد الكفرة من جميع جهات المسلمين ، فعظم الأثر ، وشهر الذكر ، واكتسحت الماشية ، وألحم السيف. وكان ثغر برغة ، الفائزة به يد الكفرة ، لهذه السنين القريبة ، قد أهمّ القلوب ، وشغل النفوس ، وأضاق الصدور ، لانبتات (١) مدينة رندة ، بحيث لا يخلص الطّيف ، ولا تبلغ الرسالة من الطّير وغيرها إلى ناحية العدو ، فوقع العمل على قصده واستعانة الله عليه ، واستنفر لمنازلته أهل الجهات الغربية من مالقة ورندة ، وما بينهما ، ويسّر الله في فتحه ، بعد قتال شديد ، وحرب عظيمة ، وجهاد شهير ، واستولى المسلمون عليه ، فامتلأت أيديهم أثاثا وسلاحا ورياشا وآلة ، وطهّرت للحين مساجده ، وزيّنت بكلمة الله مشاهده ، وأنست بالمؤمنين معاهده ، ورتّبت فيه الحماة والرماة ، والفرسان الكماة ، واتّصلت بفتحة الأيدي ، وارتفعت العوائق ، وأوضحت بين المسلمين وأخوانهم السبل ، والحمد لله. وتوجّهت بفتحه الرسائل ، وعظمت المنن الجلائل ، وفرّ العدو لهذا العهد عن حصن السهلة ، من حصون الحفرة اللّويشيّة ، وسدّ الطريق الماثلة ، وذلك كله في العشر الأوسط لشعبان من هذا العام. ثم أجلب المسلمون في رندة في أخرياته وقصدوا باغة وجيرة فاستنزلوا أهلها ، وافتتحوها ، فعظمت النعمة ، واطّرد الفتح ، واتسعت الجهة.
وكانت مما خوطبت به الجهة المرينيّة (٢) من إملائي :
المقام الذي نبشره بالفتح ونحيّيه ، ونعيد له خبر المسرّة بعد أن نبديه ؛ ونسأل الله أن يضع لنا البركة فيه ، ونشرك مساهمته فيما نهصره من أغصان الزهور ونجنيه ، ونعلم أن عزّة الإسلام وأهله أسنى أمانيه ، وإعانتهم أهمّ ما يعنيه. مقام محلّ أخينا الذي نعظم قدره ، ونلتزم برّه ، ونعلم سرّه في مساهمة المسلمين وجهره ؛ السلطان الكذا ، الذي أبقاه الله في عمل الجهاد ونيّته ؛ متكفلة بنشر كلمة الله طويّته ، متممة من ظهور الدين الحنيف أمنيته ، معظّم جلاله ، ومجزل ثنائه ، ومؤمّل عادة احتفاله بهذا الوطن الجهادي واعتنائه ، أيّد الله أمره ، وأعزّ نصره. سلام كريم عليكم ، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله ، واصل سبب الفتوح ، ومجزل مواهب النّصر الممنوح ، ومؤيد الفئة القليلة بالملائكة والرّوح ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيّه ، الآتي بنور الهدى بيّن الوضوح ، الداعي من قبوله ورضوانه إلى المنهل المورود والباب المفتوح ، والرّضا عن آله وأصحابه ، أسود السّروج وحماة السّروح ، والمقتفين
__________________
(١) الانبتات : الانقطاع. لسان العرب (بتت).
(٢) المراد بالجهة المرينية بلاط بني مرين بفاس.