رمق يذهب ، وقد سدّ إلى التّدارك المذهب ، لو لا أن الله دفع الفاقرة (١) ووقاها ، وحفظ المسكنة واستبقاها ، وإن كان الجبل (٢) عصمة الله نعم البقية ، وبمكانه حفّت التقية ، فحسبك من مصراع باب فجع بثانيه ، ومضايق جوار حيل بينه وبين أمانيه. والآن ، يا عباد الله ، قد أمكنكم الانتهاز ، فلا تضيّعوا الفرصة ، وفتر المخنّق فلا تسوّغه غصّة ، واعمروا البواطن بحميّة الأحرار ، وتعاهدوا مع الله معاهد الأولياء الأبرار ، وانظروا للعون من الذّراري والأبكار ، والنشأة الصّغار ، زغب الحواصل في الأكوار ، والدين المنتشر بهذه الأقطار ، واعملوا للعواقب تحمدوا عملكم ، وأخلصوا لله الضمائر يبلّغكم من فضله أملكم ، فما عذر من سلّم في باب وكره ، وما ذا ينتظر من أذعن لكيد عدوّه ومكره. من هذه الفرضة ، دخل الإسلام تروّع أسوده ، ومن هذه الجهة طلع الفتح الأول تخفق بنوده ، ومنها تقتحم الطير الغريب ، إذا رامت الجواز وفوده ، فيبصر بها صافّات والدليل يقوده. الباب المسدود ، يا عباد الله ، فافتحوه ، وجه النّصر تجلّى يا عباد الله فالمحوه ، الداء العضال يا عباد الله فاستأصلوه ، حبل الله يا رجال الله قد انقطع فصلوه. في مثلها ترخص النفوس الغالية ، في مثلها تختبر الهمم العالية ، في مثلها تشهر العقائد الوثيقة ، وتدسّ الأحباس العريقة ، فنضّر الله وجه من نظر إلى قلبه ، وقد امتلأته حميّة الدين ، وأصبح لأن تكون كلمة الله هي العليا متهلّل الجبين.
اللهمّ إنّا نتوسّل إليك بأسرار الكتاب الذي أنزلته ، وعناية النبيّ العربي الذي أوفدت من خصوص الرّحمات وأجزلت ، وبكل نبيّ ركع لوجهك الكريم وسجد ، وبكل وليّ سدّه من إمدادك كما وجد ، ألا ما رددت علينا ضالّتنا الشاردة ، وهنّأتنا بفتحها من نعمك الواردة ، يا مسهل المآرب العسرة ، يا جابر القلوب المنكسرة ، يا وليّ الأمة الغريبة ، يا منزل اللطائف القريبة ، اجعل لنا من ملائكة نصرك مددا ، وأنجز لنا من تمام نورك الحقّ موعدا. ربّنا آتنا من لدنك رحمة ، وهيّئ لنا من أمرنا رشدا.
فوقع الانفعال ، وانتشرت الحميّة ، وجهزت الأساطيل. وكانت منازلتها يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر المذكور ، وعاطاها المسلمون الحرب ، فدخلت البنية وهي المدينة الملاصقة لها عنوة ، قتل بها من الفرسان الدّارعة عدّة ، وصرفت الغنائم إلى المدينة الكبرى ، فرأوا من أمر الله ، ما لا طاقة لهم به ، وخذلهم الله جلّ
__________________
(١) الفاقرة : الداهية التي تكسر الفقار ، والجمع فواقر. محيط المحيط (فقر).
(٢) المقصود هنا جبل الفتح ، أي جبل طارق.