المذكور في خبائه ، وأخرجوا المال ، فقال لهم : لا أخذت منه هذا العيار ولا أخذت منه إلّا ذهبا مشجّرا ، ولا يؤخذ منه في هذا العام إلّا أجفان البلاد ، ونقل كلامه إلى المعتمد ، فبادر بالقبض عليه وعلى النصارى ، ونكّل بهم ، وقتل اليهودي بعد أن بذل في نفسه زنة جسمه ذهبا ، فلم يقبل منه ، واحتبس النصارى ، وراسله الطاغية في إطلاقهم ، فأبى إلّا أن يخلي منه حصن الحدود ، فكان ذلك. واستصرخ اللّمتونيّين ، وأجاز البحر بنفسه ، وأقسم الطاغية بإيمانه المغلّطة ألّا يرفع عنه يده. وهاجت حفيظة المعتمد ، واجتهد في جواز المرابطين ، وكان مما هو معلوم من الإيقاع بالطاغية في وقعة الزّلاقة (١) ، فإنه الذي أصلى نارها بنفسه ، فعظم بلاؤه ، وشهر صبره ، وأصابته الجراح في وجهه ويده ، رحمه الله. وفي ذلك يقول أبو بكر بن عبادة المرّي (٢) : [الوافر]
وقالوا كفّه جرحت فقلنا |
|
أعاديه تواقعها (٣) الجراح |
وما أثر (٤) الجراحة ما رأيتم |
|
فتوهنها المناصل والرّماح |
ولكن فاض سيل البأس (٥) منها |
|
ففيها من مجاريه انسياح (٦) |
وقد صحّت وسحّت بالأماني |
|
وفاض الجود منها والسّماح |
رأى منه أبو يعقوب فيها |
|
عقابا لا يهاض له جناح (٧) |
فقال له لك القدح المعلّى |
|
إذا ضربت بمشهدك القداح |
ولما اتصلت به الصّيحة ؛ بين يدي دخول المدينة ، ركب في أفراد من عبيده ؛ وعليه قميص يشفّ عن بدنه ، والسيف منتضى بيده ، ويمّم باب الفرج ، فقدّم الداخلين ، فردّهم على أعقابهم ؛ وقتل فارسا منهم ؛ فانزعجوا أمامه ؛ وخلّفوا الباب ؛ فأمر بإغلاقه ؛ وسكنت الحال ؛ وعاد إلى قصره. وفي ذلك
__________________
(١) كانت وقعة الزلاقة في سنة ٤٧٩ ه ـ بين المرابطين وملوك الطوائف من جهة والإسبان من جهة ثانية. وكان النصر فيها للمسلمين. وهناك دراسة مستفيضة عنها في كتاب : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ١٨٣ ـ ٢٠٤) فلتنظر.
(٢) هو أبو بكر بن عبادة ، المعروف بابن القزاز ، والأبيات في قلائد العقيان (ص ١٣) والمغرب (ج ٢ ص ١٣٥) وأعمال الأعلام (القسم الثالث ص ١٤٩).
(٣) في المغرب : «توافقها».
(٤) في الأصل : «وما لمرتد» والتصويب من القلائد والمغرب.
(٥) في المغرب «الجود».
(٦) رواية عجز البيت في المغرب هي : فأمسى في جوانبها انسياح.
(٧) هذا البيت والذي يليه غير واردين في المغرب.