بطالته وجوده : قال : وكان له يومان في كل جمعة ؛ الاثنين والخميس ، يشرب مع ندمائه فيهما ، ويجود على قوّاده ، وخاصته وأجناده ، ويذبح البقر فيهما ، ويفرق لحومها على الأجناد ، ويحضر القيان بمزاميرهن وأعوادهن ، ويتخلل ذلك لهو كثير ، حتى ملك القلوب من الجند ، وعاملوه بغاية النّصح ، وربما وهب المال في مجالس أنسه.
ذكر أنه استدعى يوما ابن الأزرق أحد قوّاده ، فشرب معه ومع القرابة ، في مجلس قد كساه بأحمر الوشي والوطيء والآنية من الفضة وغيرها ، وتمادى في لهو وشراب عامة اليوم ، فلما كمل نهاره معهم ، وهبهم الآنية ، وكلّ ما كان في المجلس من الوشي وغير ذلك.
ما نقم عليه ووصم به :
قالوا : كان عظيم الانهماك في ميدان البطالة ، واتخذ جملة من الجواري ، فصار يراقد منهن جملة تحت لحاف واحد (١). وانهمك في حب القيان ، والزّمر والرقص.
قالوا : وكان له فتى اسمه حسن ، ذو رقبة سمينة ، وقفا عريض ، فإذا شرب ، كان يرزّه ، ويعطيه بعد ذلك عطاء جزيلا. وفي ذلك يقول كاتبه المعروف بالسّالمي ، وكان يحضر شرابه ويخمر : [المنسرح]
أدر كؤوس المدام والرّزّ |
|
فقد ظفرنا بدولة العزّ |
ونعم الكفّ من قفا حسن |
|
فإنها في ليانة الخزّ |
وصاحب إن طلبت أخدعه |
|
فلم يك (٢) في بذله بمعتزّ |
انحنى على أخداعي فأطربني |
|
وهزّ عطفيّ أيّما هزّ |
وأجزل صلة السّالمي حين أنشدها إياه ، واشتهرت هذه الأبيات بالشرق ، واستظرفها الناس. فردّ مرسية دار مجونه ، وبلغ في زمانه ألفا وأربعين. وآثر زيّ النصارى من الملابس ، والسلاح ، واللّجم ، والسروج. وكلف بلسانهم يتكلم مباهتة ، وألجأه الخروج عن الجماعة ، والانفراد بنفسه إلى الاحتماء بالنصارى ، ومصانعتهم ، والاستعانة بطواغيتهم ، فصالح صاحب برشلونة لأول أمره على ضريبة ، وصالح ملك
__________________
ـ هذا الكتاب ، وهو يتناول تاريخ طائفة دينية دعت إلى الزهد والتقشف بزعامة أبي العباس أحمد بن قسي. راجع تأريخ المن بالإمامة (مقدمة المحقق).
(١) قال ابن الخطيب في أعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٦١): «فكان يراقد أزيد من مائتي جارية تحت لحاف واحد».
(٢) في الأصل : «فلم يكن» وهكذا ينكسر الوزن.