قشتالة على أخرى ؛ فكان يبذل لهم في السنة خمسين ألف مثقال. وابتنى لجيشه من النصارى منازل معلومات وحانات للخمور ، وأجحف برعيّته لأرزاق من استعان به منهم ، فعظمت في بلاده المغارم وثقلت ، واتخذ حوانيت بيع الأدم والمرافق ، تختنق بجانبه ، وجعل على الأغنام وعروض البقر ، مؤنا غريبة. وأما رسوم الأعراس والملاهي ، فكانت قبالاتها غريبة. حدّث بعض المؤرخين عن الثقة ، قال : كنت بجيّان مع الوزير أبي جعفر الوقّشي ، فوصل إليه رجل من أهل مرسية ، كان يعرفه ، فسأله الوزير عن أحوال ابن مردنيش وعن سيره ، فقال الرجل : أخبرك بما رأيته من جور عمّاله وظلمهم ؛ وذلك أن أحد الرعية بشاطبة واسمه محمد بن عبد الرحمن ، كان له بنظر شاطبة ، ضويعة يعيش بها ، وكان لازمها أكثر من فائدها ، فأعطى لازمها حتى افتقر ، وفرّ إلى مرسية. وكان أمر ابن مردنيش ، أنه من فرّ من الرعيّة أمام الغزو ، أخذ ماله للمخزن. قال الرجل الشّاطبي : فلما وصلت إلى مرسية فارّا عن وطني ، خدمت الناس في البنيان ، فاجتمع لي مثقالان سعديّان ، فبينما أنا أمشي في السوق ، وإذا بقوم من أهل بلدي شاطبة ، ومن قرابتي ، فسألتهم عن أولادي وزوجتي ، فقالوا : إنهم في عافية ، ففرحت فرحا عظيما ، وسألتهم عن الضّويعة ، فقالوا : إنها باقية بيد أولادك ، فقلت لهم : عسى تبيتوا عندي الليلة ، فاشتريت لحما وشرابا ، وضربنا دفّا. فلمّا كان عند الصباح ، وإذا بنقر عنيف بالباب. فقلت : من أنت؟ فقال : أنا الطّرقون الذي بيده قبالة اللهو ، وهي متّفقة بيدي ، وأنتم ضربتم البارحة الدّف فأعطنا حق العرس الذي عملت. فقلت له : والله ما كانت لي عرس ، فأخذت وسجنت ، حتى افتديت بمثقال واحد من الذي خدمت به ، وجئت إلى الدار ، فقيل لي إن فلانا وصل من شاطبة السّاعة ، فمشيت لأسأله عن أولادي ، فقال : تركتهم في السّجن ، وأخذت الضّويعة من أيديهم في رسم الجبالي ، فرجعت إلى الدار ، إلى قرابتي ، وعرّفتهم بالذي طرأ عليّ ، وبكيت طول ليلتي ، وبكوا معي ، فلمّا كان من الغد ، وإذا بناقر بالباب ، فخرجت ، فقال : أنا رجل صاحب المواريث ، أعلمنا أنكم بكيتم البارحة ، وأنه قد مات لكم ميت من قرابتكم غنيّ ، وأخذتم كلّ ما ترك ، فقلت : والله ما بكيت إلّا نفسي ، فكذبني وحملني إلى السجن ، فدفعت المثقال الثاني ، ورجعت إلى الدار وقلت : أخرج إلى الوادي ، إلى باب القنطرة ، أغسل ثيابي من درن السجن ، وأفرّ إلى العدوة ، فقلت لامرأة تغسل الثياب : اغسلي مما عليّ ، وجرّدتها ، ودفعت لي زنارا ألبسه. فبينا أنا كذلك ، وإذا بالخصيّ قائد ابن مردنيش ، يسوق ستين رجلا من أهل الجبل ، لابسي الزنانير ، فرآني على شكلهم ، فأمر بحملي إلى السّخرة والخدمة بحصن مسقوط عشرة أيام ، فلبثت أخدم وأحضر مدة عشرة أيام ، وأنا أبكي وأشتكي للقائد المذكور ، حتى أشفق عليّ وسرّحني. فرجعت أريد مرسية ، فقيل لي عند باب البلد : كيف اسمك؟