ب «الصّخيرات» (١) كما ذكر ، من ظاهر مرسية ، وتحرّك إليه السيد أبو العباس بعسكر مرسية ، فأوقع به وشرّده ، ثم ثاب إليه ناسه ، وعدل إلى الدّعاء للعباسيين ، فتبعه اللّفيف ، ووصل تقليد الخليفة المستنصر بالله ببغداد ، فاستنصر الناس في دعوته ، وشاع ذكره ، وملك القواعد ، وجيّش الجيوش ، وقهر الأعداء ، ووفّى للغشتي بوعده ، فولّاه أسطول إشبيلية ، ثم أسطول سبتة ، مضافا إلى أمرها ، وما يرجع إليه ، فثار به أهلها بعد وخلعوه ، وفرّ أمامهم في البحر ، وخفي أثره إلى أن تحقق استقراره أسيرا في البحر بغرب الأندلس ، ودام زمانا ، ثم تخلّص في سنّ الشيخوخة ، ومات برباط آسفي.
حاله : كان شجاعا ، ثبتا ، كريما حيّيا ، فاضلا ، وفيّا ، متوكّلا عليه ، سليم الصدر ، قليل المبالاة ، فاستعلى لذلك عليه ولاته بالقواعد ، كأبي عبد الله بن الرّميمي بألمريّة ، وأبي عبد الله بن زنون بمالقة ، وأبي يحيى عتبة بن يحيى الجزولي بغرناطة. وكان مجدودا ، لم ينهض له جيش ، ولا وفّق لرأي ؛ لغلبة الخفّة عليه ، واستعجاله الحركات ، ونشاطه إلى اللقاء ، من غير كمال استعداد.
بعض الأحداث في أيامه (٢) :
جرت عليه هزائم ، منها هزيمة السلطان الغالب بالله إيّاه مرّتين ، إحداهما بظاهر إشبيلية ، وركب البحر فنجا بنفسه ، ثم هزمه بإلبيرة من أحواز غرناطة ، زعموا كل ذلك في سنة أربع وثلاثين وستمائة أو نحوها.
وفي سنة خمس وثلاثين ، كان اللقاء بينه وبين المأمون إدريس أمير الموحدين بإشبيلية ، فهزمه المأمون أقبح هزيمة ، واستولى على محلّته ، ولاذ منه بمدينة مرسية.
ثم شغل المأمون الأمر ، وأهمّته الفتنة الواقعة بمرّاكش ، فصرف وجهه إليها ، وثاب الأمر للمتوكل ، فدخلت في طاعته ألمريّة ، ثم غرناطة ، ثم مالقة. وفي سبع وعشرين وستمائة ، تحرّك بفضل شهامته بجيوش عظيمة ، لإصراخ مدينة ماردة ، وقد نازلها العدوّ وحاصر ، ولقي الطّاغية بظاهرها ، فلم يتأنّ ، زعموا ، حتى دفع بنفسه العدوّ ، ودخل في مصافّه ، ثم لمّا كرّ إلى ساقته ، وجد الناس منهزمين لما غاب عنهم ، فاستولت عليه هزيمة شنيعة ، واستولى العدو على ماردة بعد ذلك.
__________________
(١) في البيان المغرب (ص ٢٧٧) أن الصخيرات موضع بمقربة من مرسية.
(٢) قارن بالبيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، ٢٩٤).