محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحاج (١)
يكنّى أبا عبد الله ، ويعرف بابن الحاج.
أوّليّته وحاله : كان أبوه نجّارا من مدجّني مدينة إشبيلية ، من العارفين بالحيل الهندسية ، بصيرا باتخاذ الآلات الحربية الجافية ، والعمل بها. وانتقل إلى مدينة فاس على عهد أبي يوسف المنصور بن عبد الحق ، واتخذ له الدّولاب المنفسح القطر ، البعيد المدى ، مليّن المركز والمحيط ، المتعدّد الأكواب ، الخفيّ الحركة ، حسبما هو اليوم ماثل بالبلد الجديد ، دار الملك بمدينة فاس ، أحد الآثار التي تحدو إلى مشاهدتها الرّكاب ، وبناء دار الصّنعة بسلا. وانتقل بعد مهلك أبيه إلى باب السلطان ثاني الملوك من بني نصر (٢) ، ومتّ إليه بوسيلة أدنت محلّه ، وأسنت جراياته ، إلى أن تولّى وزارة ولده أمير المسلمين ، أبي الجيوش نصر (٣) ، واضطلع بتدبيره ، ونقم الناس عليه إيثاره لمقالات الرّوم ، وانحطاطه في مهوى لهم ، والتشبّه بهم في الأكل والحديث ، وكثير من الأحوال والهيئات والاستحسان ، وتطريز المجالس بأمثالهم وحكمهم ، سمة وسمت منه عقلا ، لنشأته بين ظهرانيهم ، وسبقت إلى قوى عقله المكتسب في بيوتهم ، فلم تفارقه بحال ، وإن كان آية في الدهاء ، والنظر في رجل بعيد الغور ، عميق الفكر ، قائم على الدّمنة ، منطو على الرّضف ، ليّن الجانب ، مبذول البشر ، وحيد زمانه في المعرفة بلسان الرّوم وسيرهم ، محكم الأوضاع في أدب الخدمة ، ذرب بالتصرف في أبواب الملوك.
وكان من ثورة العامة بسلطانه ما تقدم ، وجهروا بإسلامه إليهم ، وقد ولّوه بسبب الثورة ، وطوّقوه كياد الأزمة ، فضنّ به السلطان ضنانة أعربت عن وفائه ، وصان مهجته ، واستمرّ الأمر إلى أن خلع الملك عن الملك. وكان نزول الوزير المذكور تحت خفارة شيخ الغزاة ، وكبير الطائفة ، عثمان بن أبي العلى ، فانتقل محفوظ
__________________
(١) ذكره ابن الخطيب في اللمحة البدرية (ص ٧١) ، وقال : إنه تولّى وزارة سلطان غرناطة أبا الجيوش نصر بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر.
(٢) الصواب أنه ثالث سلاطين بني نصر ، وهو أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، الملقب بالمخلوع ، ووالد أبي الجيوش نصر. وقد حكم غرناطة من سنة ٧٠١ ه ـ إلى سنة ٧٠٨ ه. ترجمته في اللمحة البدرية (ص ٦٠). وقد تقدمت ترجمته في الجزء الأول من الإحاطة.
(٣) هو أبو الجيوش نصر بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، رابع سلاطين بني نصر بغرناطة ، حكم من سنة ٧٠٨ ه ـ إلى سنة ٧٢٢ ه. ترجمته في اللمحة البدرية (ص ٧٠). وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الثالث من الإحاطة.