رأس الدولة ، وبقية الفضلاء ، الشهير الذكر ، الشائع الفضل ، المعروف السياسة ، أبي محمد عبد الله بن أحمد بن تافراقين ، تحت مضايقة من عرب الوطن.
ومن ملوك النصارى بقشتالة (١) ، بطره بن ألهنشه بن هراندة بن شانجه بن ألفنش (٢) بن هرانده ، إلى الأربعين (٣) ، وهو كما اجتمع وجهه ، تولى (٤) الملك على أخريات أيام أبيه في محرم عام أحد وخمسين وسبعمائة. وعقد معه سلم (٥) على بلاد المسلمين. ثم استمرّ ذلك بعد وفاته في دولة ولده المترجم به ، وغمرت الرّوم فتنة (٦) وألقت العصا ، وأغضت القضاء ، وأجالت على الكثير من الكبار الرّدى ، بما كان من إخافته سائر إخوانه لأبيه ، من خاصّته ، العجلة الغالبة على هواه ، فنبذوه على سوء بعد قتلهم أمّهم ، وانتزوا عليه بأقطار غرسهم فيها أبوهم قبل موته بمرعيّة أمّهم. وسلك لأول أمره سيرة أبيه في عدوله عن عهوده بمكابيه لمنصبه ، إلى اختصاص عجلة ، أنف بحراه كبار قومه ، من أجل ضياع بذره وانقراض عقبه ، فمال الخوارج عليه ، ودبّروا القبض عليه ، وتحصّل في أنشوطة ، يقضي أمره بها إلى مطاولة عقله أو عاجل خلع ، لو لا أنه أفلت وتخلّص من شرارها. فاضطره ذلك إلى صلة السّلم ، وهو الآن بالحالة الموصوفة.
الأحداث في أيامه :
لم يحدث في أيامه حدث إلّا العافية المسحّة والهدنة المتّصلة ، والأفراح المتجدّدة ، والأمنة المستحكمة ، والسّلم المنعقدة. وفي آخر جمادى عام ستة (٧) وخمسين وسبعمائة لحق بجبل الفتح (٨) ، فشمّم شعبته ، وأبرّ مبتوته (٩) ، كان على ثغره العزيز على المسلمين ، من لدن افتتاحه ، الموسوم الخطة ، المخصوص بمزية تشييده ، عيسى بن الحسن بن أبي منديل (١٠) ، بقيّة الشيوخ أولي الأصالة والدّهاء ، والتزيّي بزي الخير ، والمثل السائر في الانسلاخ من آية السعادة ، والإغراق في سوء العقبى ، والله غالب على أمره ، فكان أملك بمصامّه ، وقرّ عينه بلقاء ولده ، والتمتع منه بجواد عتيق. ملّي من خلال السياسة ، أرداه سوء الحظ ، وشؤم النّصبة ، واظلمّ ما بينه وبين
__________________
(١) في اللمحة البدرية : «وبقشتالة».
(٢) في اللمحة البدرية : «ألهونش».
(٣) في اللمحة البدرية : «أربعين».
(٤) في اللمحة البدرية : «ولي».
(٥) في اللمحة البدرية : «السلم».
(٦) كلمة «فتنة» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من اللمحة.
(٧) في الأصل : «ست» وهو خطأ نحوي.
(٨) هو جبل طارق.
(٩) أي قام بتعلية أسواره وإصلاح أجزائه الخربة الهالكة. الإحاطة (ج ٢ ص ٢٣) حاشية رقم ٣.
(١٠) في اللمحة البدرية (ص ١٢٠): «منديل العسكري».