محنته : تعرّض إليه قوم يوم قتل صديقه أبي عبد الله الحكيم بإذاءة قبيحة ، وأسمع كل شارق من القول على ألسنة زعانفة فجّر وترهم القتيل ، فتخلّص ولا تسل كيف ، وأزمع الرّحيل فلم يلبث بعد ذلك.
وفاته : كانت وفاته بمدينة فاس ، في اليوم الثامن من شهر المحرم مفتتح عام أحد وعشرين وسبعمائة. ودفن في الجبانة التي بخارج باب الفتوح بالرّوضة المعروفة بمطرح الجنّة ، التي اشتملت على العلماء والصلحاء والفضلاء ، من الغرباء الواردين مدينة فاس ، وكان مولده بسبتة عام سبعة وخمسين وستمائة.
محمد بن علي بن هاني اللّخمي السّبتي (١)
يكنى أبا عبد الله ، ويعرف باسم جدّه ، أصلهم من إشبيلية.
حاله : كان ، رحمه الله ، فريد دهره في سموّ الهمّة ، وإيثار الاقتصاد والتّحلّي بالقناعة ، وشموخ الأنف على أهل الرّئاسة ، مقتصرا على فائدة ربع له ببلده ، يتبلّغ مع الاستقامة ، مع الصّبر والعمل على حفظ المروءة ، وصون ماء الوجه ، إماما في علم العربيّة ، مبرّزا متقدّما فيه ، حافظا للأقوال ، مستوعبا لطريق الخلاف ، مستحضرا لحجج التّوجيه ، لا يشقّ في ذلك غباره ، ريّان من الأدب ، بارع الخطّ ، سهل مقادة الكلام ، مشاركا في الأصلين ، قائما على القراءات ، حسن المجلس ، رائق البزّة ، بارع المحاضرة ، فائق التّرسّل ، متوسط النّظم ، كثير الاجتهاد والعكوف ، مليح الخلق ، ظاهر الخشوع ، قريب الدّمعة ، بيته شهير الحسب والجلالة.
وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» بما نصّه (٢) : علم تشير إليه الأكفّ (٣) ، ويعمل إلى لقائه الحافر والخفّ (٤) ، رفع للعربيّة ببلده راية لا تتأخّر ، ومرج منها لجّة تزخر ، فانفسح مجال درسه ، وأثمرت أدواح غرسه ، فركض بما (٥) شاء وبرّح ، ودوّن وشرح ، إلى شمائل تملّك (٦) الظّرف زمامها ، ودعابة راشت الحلاوة سهامها. ولمّا أخذ المسلمون في منازلة الجبل (٧) وحصاره ، وأصابوا الكفر منه بجارحة
__________________
(١) ترجمة ابن هاني اللخمي في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨١).
(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨١ ـ ٣٨٢).
(٣) قوله : تشير إليه الأكفّ : كناية عن الشهرة.
(٤) يعمل إلى لقائه الحافر والخفّ : كناية عن أنه مقصود من كل الناس.
(٥) في النفح : «ما».
(٦) في المصدر نفسه : «يملك».
(٧) يقصد جبل طارق أو جبل الفتح.