ظريف الوراقة ، طرفا في المعرفة بالعشب ، وتمييز أعيان النّبات ، سنيّا ، محافظا ، محبّا في الصالحين ، ملازما لهم ، معتنيا بأخبارهم ، متلمذا لهم. انحاش إلى الولي أبي عبد الله التّونسي ، وانقطع إليه مدة حياته ، ودوّن أحواله وكراماته. وعيّن ريع ما يستفيده في الطّبّ صدقة على يديه ، أجرى ذلك بعد موته لبنيه. ونال حظا عريضا من جاه السلطان ، فاطّرح حظّ نفسه مع المساكين والمحتاجين ، فكان على بأوه على أهل الدنيا ، يؤثر ذوي الحاجة ، ويخفّ إلى زيارتهم ، ويرفدهم ، ويعينهم على معالجة عللهم.
مشيخته : قرأ الطّبّ على الشيخ الطبيب ، نسج وحده أبي جعفر الكزني ، رئيس الصناعة في وقته ، ولقي فيه الأستاذ إمام التّعاليم والمعارف أبا عبد الله الرّقوطي المرسي وغيره. وقرأ القرآن على المقرئ الشهير أبي جعفر الطبّاع بالروايات السّبع ، والعربية على الأستاذ أبي الحسن بن الصائغ الإشبيلي ، وأكثر القراءة على شيخ الجماعة العلّامة أبي جعفر بن الزّبير.
تواليفه : ألّف كتبا كثيرة ، منها في النّبات والرؤيا ، ومنها كتاب سمّاه ، «السّرّ المذاع ، في تفضيل غرناطة على كثير من البقاع».
شعره : من ذلك قوله ملغّزا في المطر : [الطويل]
وما زائر مهما أتى ابتهجت به |
|
نفوس وعمّ الخلق جودا وإحسانا |
يقيم فيشكو الخلق منه مقامه |
|
ويكربهم طرّا إذا عنهم بانا |
يسرّ إذا وافى ويكرب إن نأى |
|
ويكره منه الوصل إن زار أحيانا |
وأعجب شيء هجر حبّ مواصل |
|
به لم (١) يطل هواه إن لم يطل خانا |
محنته : ذكر أنه لما توفي السلطان ثاني الملوك من بني نصر (٢) فجأة ، وهو يصلّي المغرب ، وباكر الطبيب بابه غداة ليلة موته ، سأل عن الطعام القريب عهد موته بتناوله ، فأخبر أنّه تناول كعكا وصله من وليّ عهده ، فقال كلاما أوجب نكبته ، فامتحن بالسّجن الطويل ، والتمست الأسباب الموصلة إلى هلاكه ، ثم أجلي إلى العدوة. ثم دالت الأيام ، فعاد إلى وطنه مستأنفا ما عهده من البرّ وفقده من التّجلّة.
ميلاده : بغرناطة عام أربعة وخمسين وستمائة.
__________________
(١) في الأصل : «حين» ، وكذا لا يستقيم الوزن والمعنى.
(٢) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر «ولي سلطنة غرناطة من سنة ٦٧١ ه إلى سنة ٧٠١ ه. وقد ترجم له ابن الخطيب في الجزء الأول من الإحاطة.