حاله : نقلت من خطّ شيخنا أبي البركات بن الحاج : أمتع الله به ، كنّى نفسه أبا عبد الرحمن ، ودعي بها وقتا ، وكوتب بها. وكان له ابن سمّاه عبد الرحيم ، فقلنا له : سمّه عبد الرحمن ، ليعضّد لك الكنية التي اخترت ، فأبى. كان هذا الرجل قيّما على النحو والقراءات واللغة ، مجيدا في ذلك ، محكما لما يأخذ فيه منه ، وكانت لديه مشاركة في الأصلين والمنطق ، طمح إليها بفضل نباهته وذكائه ، وشعوره بمراتب العلوم ، دون شيخ أرشده إلى ذلك. يجمع إلى ما ذكر خطّا بارعا ، وظرفا وفكاهة ، وسخا نفس ، وجميل مشاركة لأصحابه بأقصى ما يستطيع. وكان صنّاع اليدين يرسم بالذّهب ، ويسفّر ، ويحكم عمل التّراكيب الطّبّية. وعلى الجملة ، فالرجل من أجلّ نبلاء عصره ، الذين قلّ أمثالهم.
مشيخته : أخذ القراءات عن الشيخ الأستاذ أبي الحسن ابن أبي العيش ، وبه تفقّه ببلده ألمريّة. وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ، والخطيب أبي جعفر بن الزيات ، والراوية أبي الحسن بن مستقور ، والولي أبي عبد الله الطّنجالي ، وصهره الخطيب أبي تمام غالب بن حسن بن سيدبونه ، والخطيب أبي الحسن القيجاطي ، والخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد ، وغيرهم.
شعره : من شعره قوله : [الطويل]
إذا قذفت بي حيثما شاءت النّوى |
|
ففي كل شعب لي إليك طريق |
وإن أنا لم أبصر محيّاك باسما |
|
فإنسان عيني في الدموع غريق |
فإن لم تصل كفّي بكفّك وافيا |
|
فأسمال أحبابي لدّي فتوق |
محنته : أحظاه وزير الدّولة أبو عبد الله بن المحروق (١) ، واختصّه ، ورتّب له بالحمراء جراية ، وقلّد نظره خزانة الكتب السلطانية. ثم فسد ما بينهما ، فاتّهمه ببراءات كانت تطرح بمذامّه بمسجد البيّازين (٢) ، وترصد ما فيها ، فزعم أنه هو الذي طرحها بمحراب المسجد ، فقبض عليه واعتقل ، ثمّ جلّاه إلى إفريقية.
__________________
(١) هو محمد بن أحمد بن محمد بن المحروق ؛ تولّى الوزارة لسلطان غرناطة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل النصري ، عام ٧٢٥ ه ، ثم قتل بأمر السلطان المذكور عام ٧٢٩ ه. اللمحة البدرية (ص ٩٤).
(٢) هو أحد مسجدي حيّ البيازين ، أشهر أحياء مدينة غرناطة ، حوّله الإسبان إلى كنيسة بعد سقوط غرناطة سنة ٨٩٧ ه ، وما يزال حتى اليوم بعض أسوار هذا المجسد قائمة مع جزء من صحنه.