وأنها مدخل للزّيرجة ، ذكر أنه عثر عليها في مظنّة غريبة ، وظفر برسالة العمل بها ، وتحرى بالإعلام بالكنايات ، والإخبار بالخفيّ وتقدمة المعرفة ، والإنذار بالوقائع ، حتى استهوى بذلك جماعة من المشيخة ، ممن كان يركن إلى رجحان نظره ، وسلامة فطرته ، واستغلّت الشهادة له بالإصابة سجيّة النفوس في حرصها على إثبات دعاوى المتحرّفين. أخبرني بعضهم أنه خبّأ له عظما صغيرا ، يكون في أطراف أجنحة الطّير ، أخذه من جناح ديك ، وزعم أرباب الخواصّ أنه يزيل الإعياء إذا علّق ، فتصرّف على عاداته من الدخول في تلك الجداول ، وأخذ الأعداد الكثيرة ، يضربها آونة ، ويقسمها أخرى ، ويستخرج من تلك الجداول جيوبا وسهاما ، ويأخذ جذورا ، وينتج له العمل آخرا حروفا مقطعة ، يبقيها الطرح ، يؤلف منها كلاما تقتنص منه الفائدة ، فكان في ذلك بيت شعر : [الطويل]
وفي يدكم عظم صغير مدوّر |
|
يزيل به الإعياء (١) من كان في السّفر |
وأخبرني آخرون أنه سئل في نازلة فقهية لم يلق فيها نص ، فأخبر أن النص فيها موجود بمالقة ، فكان كذلك. وعارض ذلك كله جلّة من أشياخنا ، فذكّرني الشيخ نسيج وحده أبو الحسن بن الجياب أن سامره يخرج خبيئته سواد ليلة ، فتأمّل ما يصنعه ، فلم يأت بشيء ، ولا ذهب إلى عمل يتعقّل ، وظاهر الأمر أن تلك الحال كانت مبنيّة على تخيّل وتخمين ، تختلف فيه الإصابة وضدها ، بحسب الحالة والقائل ، لتصرّف الحيلة فيه ، فاقتضى ذلك تأميل طائفة من أهل الدول إياه ، وانتسخوا نظائر من تلك الزيرجة المموّهة ، ممطولين منه بطريق التصرّف فيها إلى اليوم ، واتصل بالسلطان ، فأرسم ببابه ، وتعدّى الإنس إلى طبّ الجن ، فافتضح أمره ، وهمّ به ، فنجا مفلتا. ولم تزل حاله مضطربة ، إلى أن دعي من العدوة وسلطانها ، منازل مدينة تلمسان ، ووصلت الكتب عنه ، فتوجّه في جفن هيّئ له ، ولم ينشب أن توفي بالمحلّة في أوائل عام سبعة وثلاثين وسبعمائة.
محمد بن بكرون بن حزب الله
من أهل مالقة ، يكنى أبا عبد الله.
حاله : من أهل الخصوصيّة والفضل ، ظاهر الاقتصاد ، كثير التخلّق ، حسن اللقاء ، دائم الطريقة ، مختصر الملبس والمأكل ، على سنن الفضلاء وأخلاق الجلّة.
__________________
(١) في الأصل : «الإعيا» وكذا ينكسر الوزن.